د عيدروس نصر ناصر
د عيدروس نصر ناصر

أثارت تصريحات وزير الخارجية الأمريكية المنتهية ولايته، حول التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار والمضي في مباحثات تفضي إلى تشكيل حكومة (وحدة وطنية) بنهاية العام الجاري، أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية اليمنية والإقليمية، وكان أبرز ما في هذا الجدل رد الحكومة اليمنية على لسان وزير خارجيتها بأن اليمن غير معنية بما صرح به كيري، وإن أحداً لم يتشاور مع الحكومة اليمنية أو يبلغها بأمر كهذا.

 

هناك أسئلة كثيرة يثيرها هذا الإعلان وما تلاه من تصريحات تؤكده منها تصريح وزارة الخارجية العمانية وصمت دول التحالف عن قول شيء يتعلق بهذا الأمر، ومن أهم هذه الأسئلة: مع من تم الاتفاق وبين من ومن؟ وما هي البنود التفصيلية للاتفاق غير بند إيقاف  العمليات العسكرية وتشكيل حكومة “الوحدة”؟ ثم ما علاقة ما أدلى به كيري بمبادرة ولد الشيخ التي رفضها طرفا النزاع في اليمن؟

 

النقطة المحورية في تصريح كيري، وهو مجرد تصريح إذ لم يقدم مبادرة متكاملة الأركان، هي قضية وقف العمليات العسكرية بمجرد صبيحة (الخميس) 17/11/2016م وفي الحقيقة لا أحد يمكن أن يعترض على وقف العمليات العسكرية، وهذه ليست المرة الأولى التي يتم الاتفاق فيها على وقف كهذا، لكن من كان يخرق هذا الوقف ولماذا لم تصمد أي هدنة من تلك التي أعلنت خلال أكثر من سنة؟ لقد كان الطرف الانقلابي يوافق على إيقاف العمليات العسكرية لكنه يخرق موافقته قبل أن يجف حبر الاتفاق الذي وقع عليه، فهو لا يعني بالعمليات العسكرية إلا ما يفعله طيران التحالف أما قصفه للمدن وتدميره للمنازل فوق ساكنيها وتفجير المساجد والمدراس، وحصار المدن فإنه غير مشمول بالعمليات العسكرية التي يقتضي إيقافها.

 

لكن ما يميز ما أعلن عنه من وقف هذه المرة أنه جاء بدون علم الحكومة اليمنية التي بالتأكيد لم تكن لترفض        لو أن السيد كيري كلف نفسه للاتصال الهاتفي برئيسها إذا لم يسمح له وقته بمقابلته.

 

سربت الكثير من الوسائل الإعلامية أخبارا كثيرة عما جرى بين كيري والوفد الحوثي الذي يصطحب معه شعار الصرخة حيثما حل والمتضمن “الموت لأمريكا” ومما تداوله ناشطو وسائل التواصل الاجتماعي أن كيري لم يأت بأي مبادرة أو أفكار حول أي تسوية يمنية وإنما جاء ليحسم قضية المختطفين الأمريكيين لدى جماعة الحوثي في صنعاء وإن ما أدلى به من تصريحات لم يكن سوى مكافأة للحوثيين الذين تعهدوا بإطلاق سراح المخطوفين الأمريكيين لديهم، وما يرجح كفة هذه الفرضية هو ما اكتنفها من غموض عن علاقتها بمبادرة ولد الشيخ.

 

ففي حين تعرضت مبادرة ولد الشيخ لقضية المؤسسة الرئاسية وقضية الانسحابات من المدن وموضوع الأسلحة والالتزامات الأمنية، بغض النظر عن قابلية هذا للتحقيق من عدمه، فإن تصريح كيري  قد جاء عموميا وتركز حول قضية وقف العمليات العسكرية وتشكيل حكومة “وحدة وطنية”.

يخمن كثيرون بأن التحالف هو من اتفق مع كيري والحوثيين على ما تضمنه حديث كيري، وهنا لا يمكن استبعاد مثل هذه الفرضية، فالحوثيون كما قلنا لا يقصدون بوقف إطلاق النار إلا وقف الطلعات الجوية لقوات التحالف، لكن حتى لو صح هذا ومن حق لدول التحالف أن تتبنى هذا الموقف، لكن المفهوم أن أي تبني لمثل هذا الموقف كان لا بد أن تبلغ به الحكومة اليمنية على الأقل من باب العلم بالشيء، فضلا عن أن الحكومة الشرعية معنية بهذه القضية، وكما قال سفر المملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة “نحن دخلنا العمليات العسكرية بناء على طلب الحكومة الشرعية، وأوقفنا العمليات أكثر من مرة بناء على طلب الجكومة اليمنية برئاسة الرئيس عبد ربه ممنصور هادي”.

 

لن يصمد مشروع كيري ولن يكتب له أي قسط من النجاح ليس فقط لأنه مرفوض من قبل طرف أصيل في المعادلة اليمنية وهو الحكومة الشرعية ولا لأن صاحب الإعلان هو في آخر أيامه على كرسي وزارة الخارجية الأمريكية وبعد 8 أسابيع سيفقد أي صفة سوى إنه مواطن أمريكي، بل لأنه يهمل قضايا جوهرية هامة في  الأزمة اليمنية وأهمها الانقلاب وموقع الحكومة الشرعية، وقضايا مخلفات الحرب والأهم من هذا إن مشروع كيري سيتعرض للخرق من قبل الطرف الذي اتفق معه كيري عليه وهو الطرف الانقلابي الذي عودنا على خرق الهدنة قبل جفاف حبرها.

 

أما الحديث عن حكومة “وحدة وطنية” بنهاية العام 2016 فهو أقرب إلى النكتة منه إلى الحديث الجاد، إذ كيف يمكن أن يقتنع الانقلابيون الذين اشترطوا رئيس وزراء حكومة التوافق وحددوا مواصفات الوزراء وأخذوا نصيبهم من الوزراء ثم احتجزوا الحكومة ورئيسها الذي جاءوا به من أمريكا ومعه وزراؤه كل هذا قبل أن يستولوا على كل المخزون من الأسلحة والذخائر والأرض والمنشآت والمؤسسات وقبل أن يدمروا كل ما على الأرض؟ وقبل أن يحوثنوا مؤسسات الدولة وأجهزتها ؟ كيف يمكن لهم أن يقبلوا بحكومة يشاركهم فيها آخرون بعد أن حققوا ما يعتبرونه إنجازات تاريخية وصلت حد استيلائهم على مخصصات علاج الأمراض، ورواتب الموظفين ولقاحات لأمراض الستة وكل ما في حكمها من احتياجات الحياة؟، ثم أين هي “الوحدة الوطنية” التي يتحدث السيد كيري عن تشكيل حكومتها؟

 

LEAVE A REPLY