الموهبة مقال لـ الاستاذ : أحمد محفوظ بارفيد

275

كثر الحديث عن الموهبة والموهوبين وعن تعريفهم وماهيتهم, هذه الصفة الإنسانية الربانية، عطية يهبها الله تعالى من يشاء من عباده.. وهي استعداد فطري لدى الفرد يظهر في صورة أداء متميز في مجال أو أكثر من مجالات النشاط الإنساني.. لا يستفاد منها ولا ينتفع بها تمام الانتفاع إلا إذا توفرت البيئة الصالحة لاكتشافها ورعايتها وتنميتها, صفة جذبت الباحثين حولها لما تتميز به ومن وصف بها، كلمة قليلة الأحرف كثيرة المعاني، فما اجملها حينما تدركها وتتمعن مقصدها انها صنع الرحمن هدية يضعها فيمن يشاء بغير حساب، قف معها ومع عظمتها؛ كونها هدية إلاهية ربانية فريدة ، وقف الباحثون يدرسونها ويتدارسون من تميز وانفرد بها، بسيطة في اكتشافها؛ كونها منحة إلهية. وصعبة في ادراك ما تحتاجه من رعاية واهتمام… فما أعظمها من صفة منذ خلق الإنسان، وصف بها عدد من الأنبياء والرسل تجدها في حياة الصحابة والتابعين وتابعي التابعين إلى يومنا هذا، صفة ليست حديثة العهد, فخذ من القرآن: قصة موسى عليه الصلاة والسلام وأخيه هارون.. فمن المشهور أن موسى كان يعاني مشكلة في البيان ولعله بسبب قصة الجمرة المشهورة عند صغره، وكان هارون أخوه فصيحا بليغا، واكتشف موسى هذه الموهبة في أخيه ولاحظها فيه.. فلما اختاره الله لرسالته أراد أن يسخر هذه الموهبة لخدمة الدين ويكون أخوه عونا له فيما كلفه الله به فقال: {وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون}

(القصص:34)..

إن الكلام مهارة، والبيان كذلك مهارة وموهبة.. وقد تبقى هذه المهارة مدفونة لا تؤدي دورا ولا تقطف ثمرة حتى يأتي نابغ وقائد متفرس ومتفحص فيكتشفها ويلتقطها ثم يضعها في مكانها المناسب لتنفع وتثمر… و تعال معي تجد روعة اكتشاف المواهب من سيد المرسلين محمد بن عبدالله صلوات الله عليه وسلامه قال: [أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح]( رواه الترمذي وقال حسن صحيح).

إن القرآن يشير إلى وجود مواهب وقدرات مدفونة، وأنها إذا اكتشفت ووجدت فرصة العمل نفع الله بها الدين والدنيا.. فهو حث على البحث عن هذه المواهب وعن هؤلاء النابغين، ودعوة لتفعيل دورها والانتفاع بها…  وتشير السيرة النبوية إلى توظيف تلك القدرات والمهارات في خدمة القضية وخدمة الدعوة ونصرة الدين ونفع الناس والأمة، وإلا فما قيمة الموهبة؟ إذا لم تستغل و لم ينتفع بها؟ فجعل النبي خالدا قائدا للجيوش، ومعاذا معلما للفقه وكذا ابن مسعود، وأبي بن كعب من أكبر القراء، وبلالا مؤذنا، ومصعب بن عمير داعيا.. وهكذا كل إنسان في مكانه اللائق به فنفع الله بهم جميعا… ظهرت وبرزت هذه المواهب حيث وجدوا البيئة الخصبة والجهات الراعية والمفعلة لها.

ان شئت تعال معي في عصرنا الحاضر, نجد كثرة المواهب, لكن هل وجدت البيئة الصالحة لرعايتهم ؟ هل وجد من يرعاهم ويطور من تلك المواهب؟ هل وجد من يفعلهم ويبرزهم وينتفع وينفع بهم الأمة؟ أم تركوا للغرب وبلدان الغرب التي استحوذت على مواهب المسلمين لخدمة غربهم وليطوعوا لسياسات الغرب ومكائدهم فاحتضنوهم وطوروهم وفعلوهم ونفعوا بهم غربهم… ويبكيني اذا سُخروا ضد أهليهم وذويهم … نسأل الله السلامة!

فهيا لرعاية مواهب أبناء المسلمين، ولنبذل لهم كل غال ونفيس …

LEAVE A REPLY