الفنان الجابري: اسجنوا الحرب ! مقال لــ : عصام واصل

446

إنها الحرب التي دفعت البلد إلى شفا أقسى كارثة إنسانية؛ صارت حافزاً محوريا للإنجاز في الفن الذي يشخص مآسيها ويدعو إلى تثبيت أركان السلام وترسيخه، وجعله مستديما في الزمان والمكان وسلوك الإنسان أيضا، انطلاقا من بؤس المعاناة والتجربة التي يعيشها اليمن منذ 4 سنوات تقريبا.

يقول الفنان التشكيلي الحضرمي عبدالرحمن الجابري، الذي يبحث عن السلام، ويتوق إليه ويسعى إلى ترسيخ مبادئه عبر لوحات فنية ورسومات كاريكاتير متعددة: «لم تحل الحرب بمكان إلا وخلفت وراءها أثرا سلبيّا على المستوى العام». ويشير إلى أن معرضه الجديد إنما هو لعرض ما أنجزه من أجل مناهضة الحرب وقد أسماه «معرض السلام»، وهو «ناتج عمّا تركته الحرب من هواجس قلقة بحثا عن السلام».

فن من أجل السلام

إن هاجس السلام يبدو هو العنصر المحوري الجامع الذي يهيمن على نتاجات عبدالرحمن، ويوجهه ويواجه به قبح الحرب وإشكالياتها، وهو الدافع الرئيسي الذي جعله يفتتح معرضه الأول في مدينة المكلا بالتزامن مع اليوم العالمي للسلام 21 سبتمبر، ويؤكد في حديث خاص له مع «العربي»، أن «الهدف من خلال هذا المعرض هو دعوة الناس إلى حمل رسالة سلام وحب وتسامح، رسالة لنبذ العنف والتطرف والتعصب الفكري والسياسي والحزبي والمناطقي وكل الأعمال أو العادات السلبية التي اخترقت مجتمعنا المحلي والعربي والعالمي نتيجة للحروب».

إن لوحاته المعروضة كلها تشخص بؤس الحرب والدمار، اللذين يخلقان المآسي، فنجد الدبابة وهي تدهس الأصابع التي تعزف محطّمةً الأصابع ومفاتيح البيانو لكن تلك الأصابع تستمر في العزف برغم الدماء والتهشم، ونجد حمامة السلام المكبلة التي تنزف، والبومة التي تنهش حمامة السلام، ونجد مشاهد النزوح المرعبة، والأفاعي، والإنسان الذي ينام جثة في جوف الرصاصة بعد أن تحولت الرصاصة ذاتها إلى تابوت، ونجد معطوب الحرب وهو يتوكأ على بندقيتين… إلخ، إنها جميعا مشاهد لا تصور آثار الحرب فحسب، بل تجسدها بشكل حي وتزج بالمتلقي في عنف تأويلها، وتدعو في الآن ذاته إلى إيقافها.

يقول الفنان عبدالرحمن عيظة سالم بن قحيز الجابري المولود في محافظة حضرموت في العام 1990: «لقد ركزت على معاناة مجتمعنا الذي أنهكته الحرب وجعلته يعاني من آثارها، وحاولت أن أقدم من خلالها دعوة للتسامح والتصالح والتفاهم وإنهاء الحرب».

عادات سلبية

يعرض الجابري خريج «معهد جميل غانم» في عدن في هذا المعرض 47 عملا كاريكاتيريا عن السلام، فضلا عن مناقشة بعض الظواهر الدخيلة على المجتمع، كإطلاق النار في المناسبات وما ينتج عنه من حصول أضرار وضحايا؛ لأن الفن والفن الكاريكاتيري منه خصوصا، من وجهة نظره «فن جميل أهدافه دائما سامية ويحمل رسالة وفكرة، وتستطيع من خلاله قراءة ومعالجة ونقد موضوع معين بشكل مختصر».

تكوين وتجاوز

ولد الجابري في حضرموت، وهي مدينة الحب والمدنية، وتعلم في عدن وهي مدينة السلام والتسامح، وتنفس هواء اليمن وهي مهد حضارات وقيم سامية، ومن هذا كله انبثقت موهبته وترسّخت، كانت بداياته كما يقول مع الفن التشكيلي، وهذه تعد التجربة الأولى له في مجال الفن الكاريكاتيري، وله عدد من معارض الفن التشكيلي محليا وعربيا.

تخطى الفنان الجابري حواجز العزلة التي تعيشها منطقته بفضل التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، فهو ابن منطقة وادي ساه في وادي حضرموت، وهي منطقة نائية تفتقر إلى الخدمات، ومن هنا تأتي عبقريته التي تؤكد أن الموهبة لا يمكن أن تخضع لجبروت الإهمال مهما يكن.

ويقول مؤكداً: «نعم أنا من أبناء مديرية ساه بوادي حضرموت منطقه شبه ريفية، لكن تستطيع القول ونحن الآن في زمن شبكات التواصل الاجتماعي والاتصال، إن العالم أصبح مفتوحا وإن العزلة أصبحت غير واردة».

عبدالرحمن يرى أن الحرب قد أنهكت كل شيء، ودفعته نحو الهاوية، ومن هنا يدعو أطراف الصراع إلى التوقف، ويطالبهم بالوقف الفوري للحرب ليتوقف ما تخلفه من تعب ومشقة، قائلاً: «أطلقوا سراح السلام… افشوا الحب بينكم، اسجنوا الحرب, قيدوا العنف، اغتالوا الموت، اقتلوه، لأجل أن نحيا بسلام، اكتموا أفواه البنادق، لماذا هنا لا نتفاهم فلنتخطى خطايا بعضنا، هيا نوزع وردا نوزع ياسمن».

LEAVE A REPLY