في غزة.. «كانت هنا عائلة»

371

المكلا (المندب نيوز) البيان

كانت نسمات الهواء الباردة تشاكس الشوارع الترابية البسيطة في المحافظة الوسطى في حي «البِركة» في مدينة دير البلح. غير أن بقية من طوارق الليل في سماء قطاع غزة كانت تنتهك كل بسيط وجميل، تارة بأزيز الطائرات دون طيار، وتارة بالطائرات الحربية التي تقصف بين الحين والآخر، والتي تشاركها المدفعية والبوارج على الأرض والبحر.

في هذا الوقت من اليوم الثاني للعدوان على غزة كان صوت طائرات الاستطلاع مزعجاً، وفجأة ودون سابق إنذار 3 انفجارات كبيرة في المنطقة استهدفت منزلاً لعائلة السواركة بطائرة مقاتلة من نوع «F 16»، لتوقع مجزرة بحق عائلة ليس لها ذنب سوى أنها تحمل الهوية الفلسطينية.

بقع من الدماء المجبولة بالرمال، وبقايا قطع بلاستيكية وخشبية تطايرت من أثاث المنزل، هذا كل ما تبقى من آثار الجريمة.

محمد السواركة كان أحد شهود العيان روى لـ «البيان» تفاصيل مجزرة عائلة أبو ملحوس/ السواركة التي ارتقى فيها 8 من أفراد العائلة وأصيب 12 آخرون.

ويقول السواركة بعد القصف خيم صمت كبير على المنطقة بأسرها، وبعد 10 دقائق وصلت سيارات الإسعاف فخرجنا من بيوتنا لتفقد ما حدث في محيطنا، فلم نجد البيتين بالكامل، بل وجدنا حفرة كبيرة وأكوام الرمل والحجارة فقط.

وبحرقة يقول وهو يرفع يديه إلى السماء “الله يحرق قلبهم مثل ما حرقوا قلبنا”.

“زلزال كبير ضرب المنزلين، انقلب المكان، اختفت الجدران واختفت البيوت واختفى من فيها من أطفال ونساء وشيوخ، جميعهم اختفوا، ولكن تحت التراب”.

سائق الإسعاف والذي وجد في المكان فور وقوع الحادث بدقائق قال تلقينا رسالة استغاثة من أحد سكان المنطقة بوجود استهداف لمنازل في منطقة البركة، توجهنا بعجالة إلى المكان، لكننا لم نجد المنزل، بل وجدنا حفرة كبيرة وأكواماً من التراب فقط، وجميع الشهداء تحت الرمال.

ورجح السائق أن الأطفال الذين استشهدوا ارتقوا بسبب الاختناق تحت الرمل، حيث إن الرمل غطى جثامينهم بارتفاع مترين، وكانت وجوه الشهداء تميل إلى اللون الأزرق نظراً لانقطاع الأكسجين عنهم.

وبين السائق أن عملية استخراج الشهداء كانت صعبة، فالتيار الكهربائي منقطع والظلام دامس وكان المنقذون يخشون استخدام آلات أو أدوات الحفر خوفاً من إيذاء أحياء. «حفرنا وأزحنا الرمال بأيدينا، وقد قام بمساعدتنا سكان المنطقة وأقارب الشهداء».

ويضيف السائق وهو يضرب كفاً بكف «كنت أحمل أنا وزميلي امرأة شهيدة، ولولا الكشافات اليدوية لدست على الطفلة «فرح» البالغة من العمر 3 شهور، كانت ترقد في حضن أخيها الشهيد المدفون تحت الرمل».

يوسف بشير أحد سكان المنطقة المستهدفة، قال «بعد أن غادرت سيارات الإسعاف والدفاع المدني تبين لنا أن اثنين من الأطفال قد اختفيا، وقد استمرت عملية البحث عنهما حتى ساعات الصباح الأولى وقمنا بانتشال جثتي الطفلين فارس وسالم.

يشير بشير بيديه ويقول في حرقة “كانت هنا عائلة، والآن أصبحت خارج السجل المدني للسكان، بيت رسمي أبو ملحوس اختفى وأخذ معه منزل شقيقه محمد”.

بأي ذنب قتلوا

أم أمير السواركة شقيقة الشهيد رسمي والد الشهداء وزوج الشهيدة مريم، امتلأت عيونها بالدموع على فراق 8 من أفراد عائلتها، عندما قلنا لها إن الإعلام الإسرائيلي يقول إنه قصف البيت عن طريق الخطأ، مؤكدة أن “إسرائيل عندما تريد استهداف شيء فهي تستهدفه عن طريق القصد المتعمد”.

وتابعت، «إسرائيل لا تخطئ في أهدافها، بل توجه القصف كما هو مخطط له، وتحاول في كل جريمة ترتكبها أنّ تبرر مجازرها بجملة «عن طريق الخطأ»، وإسرائيل تبرر دائماً جرائمها بإظهار نفسها الطرف المعتدى عليه».

LEAVE A REPLY