كورونا وإيطاليا: قراءة ديموغرافية

614

المكلا (المندب نيوز) كتب: أ.د. رزق سعد الله الجابري

يشهد العالم حالة ذعر وخوف من جائحة كورونا التي كانت البداية لها من الصين وأدت إلى شل منظومة الحياة في جميع بلدان العالم. أهم خسارة تلحق بالعالم هي فقدان أعداد كبيرة من السكان التي بلغت آلاف الوفيات وقد تباينت من بلد إلى آخر، لكن إيطاليا تصدرت قائمة الخسارة فقد تجاوز عدد الوفيات الخمسة آلاف، هذا الوضع يفتح باب الأسئلة لماذا هذه العدد مرتفع في إيطاليا متجاوزة عدد الوفيات في الصين موطن الوباء رغم أن إيطاليا تأتي من ضمن دول التنمية البشرية المرتفعة جداً؟.

إن الإجابة من الناحية العلمية تتطلب قراءة الوضع الديموغرافي في إيطاليا. يبلغ عدد سكان إيطاليا نحو 65 مليون نسمة، ويشكل من تقل أعمارهم عن 15 عاماً، وهم الأطفال نحو 4.5% من عدد السكان، أما الفئة العمرية من 15- 64 عاماً، وهم القوة البشرية، يشكلون 70.1% . ومن تزيد أعمارهم عن 65 عاماً نسبتهم 25.1%. فيما يبلغ متوسط العمر عن الميلاد 83 عاماً، والعمر الوسيط 45.9 سنة.

العلاقة بين الديموغرافيا والأمراض وما ينتح عنها من وفيات تطرق إليها الدكتور عبد الرحيم عمران مشيراً إلى أن هناك علاقة بين التحول الديموغرافي والوفيات وإحدى عواملها الأوبئة، لا أريد أن أستعرض تفاصيل العلاقة فمن أراد الغوص في ذلك عليه العودة إلى كتاب الجغرافيا الطبية للأستاذ الدكتور عبد الرحمن محمد الحسن أستاذ الجغرافيا الطبية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.  

إن ارتفاع الوفيات في إيطاليا بسبب جائحة كورونا يمكن استجلاؤه من المؤشرات الديموغرافية. إيطاليا وصلت ديموغرافياً إلى مرحلة الشيخوخة، ويبين ذلك مؤشر العمر الوسيط 45.9 سنة، ومؤشر كبار السن الذي يصل ربع السكان 25.1%، كما أن المجتمع الإيطالي يعاني من عجز في الإحلال وهذه معضلة التعويض ما بعد كورونا لانخفاض خصوبة المرأة، فقد بلغ معدل الولادات 1.5 مولود لكل امرأة.

إذا كان الوضع الديموغرافي في إيطاليا قد مهد لارتفاع عدد الوفيات فإن العبء الذي يتحمله كبار السن في توفير احتياجات أحفادهم قد أسهم في ارتفاع معدل الوفيات بينهم. كبار السن هم من يقوم بالتسوق لتوفير احتياجات الفئات العمرية الوسطى من العاملين أو الملتحقين بالدراسة، وهذا يجعلهم أكثر احتكاكاً ببيئة كورونا وهي الشارع، كما أنهم قناة لنقل الوباء إلى المسكن. ويبقى آخر العوامل التي أسهمت في ارتفاع الوفيات في إيطاليا هو مباغتة كورونا للإيطاليين فكانت المقاومة ضعيفة لكبر السن فحلت الكارثة.

بالنظر إلى ديموغرافية أوروبا إذا لم يلتزم السكان بالحجر المنزلي الكامل فإن أكثر من سدس سكانها مهددين بالوفاة. والدول الأوروبية المرشحة بعد إيطاليا هي الاسكندنافية وفي المقدمة السويد. أتمنى أن لا يحدث ذلك.

ما بعد الكارثة أمام أوروبا خيارين: إما ارتفاع خصوبة المرأة لعملية التعويض، أو فتح باب الهجرة وهذا المتوقع. 

    ربنا ارفع عنا هذا الوباء 

أ.د. رزق سعد الله بخيت

أستاذ جامعي

باحث في قضايا السكان والتنمية

LEAVE A REPLY