عدن (المندب نيوز) خاص : وليد التميمي

 

كشف عن احتفاظه بأسماء عناصر في الإصلاح هاجمت مسيرة للحراك في كريتر

أمجد: أطلق صرخة ضد اللامبالاة دفع ثمنها حياته

رفع أمجد قبل رحيله شعار مع “عيدروس حتى على الحطب”

 

ما أن ينتشر خبر اغتيال شاب في مقتبل العمر في عدن، تميز عن أقرانه بأنه ناشط اجتماعي، أو وصف في محيطه بأنه مشروع مفكر  أو تحمل شخصيته جينات القيادي المؤثر في صناعة الرأي العام، حتى تتطاير شظايا الاسئلة وتبدأ رحلة البحث عن أجوبة علها تنجح في تحديد الجناة ومن يقف خلفهم.

عادة ما تقودك محاولات تتبع خيوط الجريمة إلى تقفي أثر المغدور بهم في مواقع التواصل الاجتماعي، الفيسبوك تحديداً، ستفاجئ حينها بأنك تقف مبهوراً أمام كتاب مفتوح يرسم ملامح هوية كائن ينشد الحب والحرية بأفكار قد تبدو متمردة على الواقع، لكنك عندما تعيد قراءتها بتجرد تدرك قيميتها الإنسانية وتتفهم أن منبع تمردها الرغبة في التغيير نحو الأفضل وتحطيم قيود التبعية والعبودية للفرد وليس للخالق.

ثلاث شبان عرفوا في عدن من هذه الصفوة، لكن أسمائهم تم تداولها على نطاق واسع يكاد يكون عالمياً بعدما تعرضوا لعمليات اغتيال، سقط فيها اثنان ونجى ثالث بأعجوبة.

اختطاف ثم تصفية

أولهم الشاب عمر باطويل، الذي اختطف من أمام منزله قبل أن يبلغ أهله بالعثور عليه جثة هامدة مضرجاً بدمائه أواخر أبريل الماضي، قبلها كان باطويل قد أشعل الفيسبوك بمنشوراته الناقدة للمتعصبين دينياً، الذين وصفهم بأنهم يرون الله في القبور بينما يراه هو في الزهور.

نقد الإعجاز العلمي

أواخر العام الماضي تعرض الشاب محمد عطبوش، مؤلف كتاب نقد الإعجاز العلمي لمحاولة اغتيال فاشلة بعد أن أطلق عليه مجهولون النار أمام منزله في خور مكسر، وكان من الطبيعي أن يتم الربط مباشرة بين العملية وتوصيفه لكتابه بأنه يتضمن “علاجاً لترهل الدين جرّاء شدّه إلى غير ميدانه”، وقلة هم من لمحوا بأنها قد تكون ذا صلة بمنصب والده القاضي علي عطبوش، عضو اللجنة العليا لمعالجة قضايا الأراضي وعقارات الدولة في عدن وباقي المحافظات الجنوبية.

رئيس نادي الناصية الثقافي

ثالث ضحايا عمليات تجريف عدن من طاقاتها الإبداعية الشابة، أمجد عبدالرحمن محمد، رئيس نادي الناصية الثقافي، الذي اغتيل في مقهى انترنت في مديرية الشيخ عثمان، أمس الأول. تكشف آراء أمجد المنشورة على صفحته في “الفيسبوك” عن مواقفه السياسية التي لا تخلو من النقد اللاذع، لكن ما يجعلك تغوص أكثر في الصفحة، الصورة الثابتة في الغلاف وتلك المحشورة في زاوية “البروفايل”، ففي الغلاف تتوسد صورة الشهيد تامر باسل البرو الذي قتل في 2014 برصاص جنود الاحتلال اليمني، وأصبحت قصته حديث الشارع، يظهر البرو في الصورة بوجه ملائكي وثغر باسم، ملامح الشبه بينه وبين صديقه أمجد كبيرة، تقاطيع الوجه، تهذيب الذقن، خصلات الشعر، الابتسامة البرئية، النظرات الهادئة، كلها تجعلك تجد صعوبة في التمييز بينهما، حتى ظروف مقتلهما تكاد تكون متطابقة و الرصاصات الغادرة التي أودت بحياتهما أطلقتها اليد الآثمة ذاتها التي سبق أن تولت مهمة تصفية الجنوب من قياداته العسكرية وكوادره الأمنية.

مواقف سياسية

لا تكاد تنتهي من النبش في أسرار صورة البرو، حتى تشدك صورة أخرى أسفل الغلاف للقائد عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس السياسي الانتقالي الجنوبي، يبدو أن الشهيد أمجد قرر نشرها بعد ساعات من إعفاء الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، المحافظ الزبيدي من منصبه، وربما أثناء مرحلة الإعداد للإعلان عن تشكيل المجلس، الذي كان أمجد من طلائع مؤيديه، رافعاً شعار مع “عيدروس مش على الفانوس حتى على الحطب”.

موقف أمجد الداعم للقضية الجنوبية والحراك الثوري لم يمنعه من توجيه انتقادات لمظاهر الفوضى التي تعم فعالياته خصوصاً في المنصات متهماً “الموالعة” في الجنوب بأنهم يقفون وراء معظم الإشكاليات التي تعترض مسيرة الثورة.

هجوم عنيف شنه أمجد قبل رحيله على حكومة الشرعية، والحزب الاشتراكي، متمنياً في أحد منشوراته بأن “يعيد الله الرفيق علي عنتر للحياة ليؤدب سكرتير أول الحزب وعضو مكتبه السياسي، علي منصر محمد، القابع في معاشيق وهو يشاهد عدن تعتصد ومهددة باندلاع صراع مسلح بين قوات شرعية الرئيس الهارب وقوات المقاومة الجنوبية، ومقضيها نوم وتخازين”.

لكن المنشور الأكثر جرأة لأمجد والذي رجح بعض رواد “الفيسبوك” بأنه قد يكون عجل في اتخاذ قرار تصيفته، هو إعادتة فتح ملفات جريمة قوات الأمن المركزي ومعها عشرات من عناصر حزب الاصلاح أثناء مهاجمتهم مسيرة لأنصار الحراك في شارع الملكة أروى، واقتحام ساحة اعتصامهم في كريتر قبل ثلاث سنوات.

لم يبقى أحد!

 قال أمجد في منشوره “على فكرة أعرف بعض شباب الإصلاح اللي هاجموا المسيرة في كريتر”، معيداً نشر منسوخ من صفحة صديق، لم يسمه، “ينتقد اللامبالاة التي تعامل معها المجتمع جراء اقتحام مقر الإصلاح في كريتر اللي هو بالأصح لوكنده لعيالهم الهاربين من الحوثي في الشمال”.

جاؤُوا أوّلاً إلى الشّيُوعيّين،

وَلَمْ أرفَعْ صَوْتِي،

لأنّي لَمْ أكُنْ شُيوعيًّا.

ثُمّ جاؤُوا إلى الاشتراكيّين،

وَلَمْ أرفَعْ صَوْتِي،

لأنّي لَمْ أكُنْ اشتراكيًّا.

ثمّ جاؤُوا إلى أعْضاء النّقابات،

وَلَمْ أرفَعْ صَوْتِي،

لأنّي لَمْ أكُنْ نقابيًّا.

ثمّ جاؤُوا إلى اليَهُود،

فَلَمْ أرْفَعْ صَوْتِي،

لأنّي لَمْ أكُنْ يهوديًّا.

بَعْدَئذٍ جاؤُوا إليَّ،

فَلَمْ يَتَبَقَّ أحَدٌ

لِيَرْفَعَ صَوْتَهُ لأجْلِي.

-مارتين نيوملر

ختم أمجد منشورة بإطلاقه صرخة ضدّ اللاّمبالاة، ثم أوضح: كتب النصّ (الصرخة)، ضدّ النازية بعد إحكام سيطرتها على ألمانيا، وهو من بين النصوص الأشهر التي تُقتَبس ضدّ لامبالاة الأفراد، وضدّ الركون إلى الصمت في حال الظّلم والحكم المتعسّف. إنّه نصّ نافع لكلّ زمان ومكان، وحيثما حلّ ظلم وعسف في هذا العالم.

المنشور الأخير

اخر منشور لأمجد كان عن خطورة مرض الكوليرا، لكنه قتل بما هو أخطر من الكوليرا، بالفكر الضال، الذي قال عن أصحابه الراحل باطويل بأنهم “عندما يعرفون الفرق بين العالِم والكاهن، سيستعيدون عقولهم”، وحتي يحين موعد تلك الاستعادة، كم على الجنوب أن يخسر من خيرة شبابه؟ سؤال يبدو أنه محكوم بمفاعيل المستجدات على الأرض سيما بعد تشكيل المجلس السياسيي الانتقالي، فهذه العملية وسابقاتها وما سيليها كما يرى كثيرون، لا قدر الله،  تحمل رسائل بأن في عدن بؤر للإرهاب ماتزال نشطة، عجز من يسيطرون على أرضهم عن استئصالها، في انتظار إنجاز أمني يسقط هذا الرهان، إما بالقبض على الجناة أو منع تكرار مثل هذه الجرائم والكشف عن مخططيها، وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم الرادع.

* الصورة

أمجد عبدالرحمن-عمر باطويل- محمد عطبوش- تامر البرو

 

أمجد عبدالرحمن-عمر باطويل- محمد عطبوش- تامر البرو
أمجد عبدالرحمن-عمر باطويل- محمد عطبوش- تامر البرو

LEAVE A REPLY