قصاصات وأقاصيص ( 12 ) يكتبها / أحمد باحمادي

249

قصاصات وأقاصيص ( 12 )

يكتبها / أحمد باحمادي

( 1 )

كان يحكي لأبنائه كل ليلة حكايات جميلة،

حكاياته تمحورت حول دروس الحياة.

كم قاسى الكثير فيها حتى جاءه الملاك الذي خفف عنه كل همٍّ.

بعد أن تزوج ذاق طعم الطمأنينة والراحة ..

ندم ألا يكون قد تزوج منذ سنوات، وندم أنه صدقهم!

أوحوا إليه بالترهات حتى رأى الزواج بلون رمادي مغبّش ..

تفجّر قلبه بينابيع الحزن ندماً على أفكاره تلك.

أما اليوم .. فهو يحمد الله على الزوجة الصالحة.

( 2 )

حضرَ عشرات الدورات في التنمية البشرية ..

لم يتغير من حاله شيء إن لم يكن قد ازداد سوءاً.

شكّ في هؤلاء المدربين .. في سيرهم الذاتية الطويلة!

هم يملكون كل هذه المهارات واللغات ..

فلماذا إذاً لم  تحتويهم أعظم الشركات العالمية ؟؟

تواصل مع صديق له ليبيّن الحقيقة الغائبة !!

ضحك صديقه وقال : ما أغباك هل صدقتهم كل هذه السنوات ..

أعطيتهم رحيق جيبك مقابل قطع من الكرتون !!

اسمعني جيداً : هل تريد أن تكون مخادعاً مثلهم ؟!

كل ما عليك فعله هو اقتناء بعض الكتب التافهة

على شاكلة “المفاتيح العشر للنجاح” ،

شاهد بعض مقاطع الفيديو لمحاضرات،

من نوع “التحكم في الطاقة الديناميكية والتكيف العصبي”

تدرب على التحدث بشكل سلس لتبهر السامع ،

قم بشراء بدلة جميلة ، ثم تزود بشهادة علمية من إحدى الجامعات الوهمية،

 أو المراكز المزيفة، يفضّل ان تكون الجامعة ذات إسم لامع كي يبدو مبهرا ،

بعد التزود بكل ما ذكرته لك ..

قف أمام المرآة وأطلق محياك بضحكة مدوية ..

قل لنفسك: ها أنا الآن جاهز ! … أيها المغفلون.

( 3 )

جلسَت مقرفصة وسط كومة من الأجساد الصغيرة النائمة ..

كان الإعياء قد نال منهم، بدت أصواتهم ضعيفة لقلة الاستخدام ..

تساقطت أجفانهم من الجوع .. وها هم صرعى لأحلام لا ترحم..

خافت أن يستقيظوا ولا يجدوا بين يديها شيئاً ليأكلوه ..

تناولت خمارها وتدثرت .. انطلقت لأكوام القمامة وبراميلها،

بحثت في كل شبر منها .. أخيراً وجدت ما يسدّ الرمق ..

كان الوقت فجراً .. صادفتها أثناء خروجي لصلاة الفجر في المسجد ..

آلمني صراخها الصامت ..

بدأت الريح تثور .. تساقطت الأمطار بكثافة ..

ما أرحمك يا رب ..

لا زلت تمطرنا برحمتك .. وقد أمسكنا رحماتنا عن مثل هذه الأم ..

( 4 )

انتخبناه .. وكان الجزاء قهراً وضياعاً ..

بكينا على أطلال الصناديق .. فما رثى لنا من أحد ..

بعدها بكينا على أطلال ذكرياتنا الخادعة،

تذكرنا زمن التيه .. وقد لفنا ضباب العاطفة ..

كم تغنينا بعذابات عشقه الجميل ..

صبرنا على الأذى كي نرى غداً بإشراقاته ..

لكنّ الغد لم يأتِ ..

حجبت أشعةَ شمسه غيومُ الأنانية !!

رفرفت خفافيش الظلام .. وسمعت نعيباً

لبومة قاتمة …

( 5 )

منذ أن كان صغيراً .. لبست أمام عينيه السواد ..

عزفت عن الزواج، وتدثرت بالحزن الأبدي ..

تفرغت للانتقام .. عبأته على قاتل أبيه ..

رآه في الحلم .. رأى القاتل والضحية ..

لم يفرق؛ أيهما القاتل والمقتول !!

صرخ بأعلى صوته ..

نشأ على الدم .. حلم بالدم .. كبر لأجل الدم،

هكذا ربوهم .. أوحوا إليهم أنه الشرف ..

وهل يكون الشرف في الثأر ؟

( 6 )

كان التاريخ يحلّق في أعاليها .. فيعبق المكان بعطر الأجداد،

نادت في السائرين .. هلموا ًإلى راحة نفوسكم ..

اعتلاها رجال طالت أعناقهم .. وتعدّت أجواز السماء،

ويوم أن أرادوا هدمها .. استعصت عليهم!

كانت شامخةً شموخ نخل الآباء ..

أبَت السقوط .. أحاطوها بأسياخ الحديد،

جذبوها بكل قوة .. حتى تهاوت إلى الأرض

وفي الأخير هدموها ..

لأنها رمح انغرز في خاصرة باطلهم ..

فهل سمعتم قصة مئذنتي التي رحلت ؟!

( 7 )

وطأ أصابعَه حينما مرّ بمحاذاته في عند باب البنك ..

صاح وسحب قدمه بسرعة !

صرخ غاضباً : هل أنت أعمى يا هذا !!

ردّ : لست أعمى بقدر عمايتك أيها الأحمق المرابي.

قال : ألا ترى أنه بنك إسلامي أيها الأبلـ …

ردّ : وما الفرق بينهما، يخدعوننا ويكتبون على يافطاتهم أنها بنوك إسلامية،

ما أدراك أنت!، فوراء الكواليس أشياء وأشياء يعلم بها من خبروا الخداع والتلاعبات…

سأله : وما جاء بك أنت إلى هنا ؟

ردّ : جئت لاستلام راتبي، إذ لا مفرّ من ذلك.

ـ : …. !!!

( 8 )

متقاعد .. هذا ما أسمَوه .. كأنهم قد تنبأوا بنهايته ..

يأتي كل يوم قبالة نافذة البريد ليسأل عن راتبه،

لأشهر كثيرة كانوا يجيبون عليه بنبرة يكتنفها الضيق والتبرم..

نفس الكلمات كانت تطرق مسمعه ” لا يوجد لكم شيء حتى الآن “!

ينهار على دكة البريد ليرتاح من تعب دربه الطويل ..

جفت منابع جيبه، وبات لا يدري ما يفعل ..

كان معاشه المصدر الوحيد للحفاظ على كرامته ..

ومع تأخر الراتب .. لم يشأ أن يستدين،

يكفيه ما في الحياة من هموم ثقيلة،

لم يُرِد أن يكون عالة على أحدٍ، لذا فضّل العيش وحيداً ..

تراكضت به الهموم، وازدادت نبضات قلبه،

ارتفع ضغطه إلى أبعد الحدود ..

ومثلما كان يُسمّى، وعلى دكة البريد،

لبى نداء القدر الذي كان يناديه ..

( مُتــْ ) قاعداً …

( 9 )

 يجتمعون فيه عندما يتزوجون ..

يلتفّون معاً إن مات أحدُهم ..

فيه يتشاورون .. وعلى جنباته يلتقون ..

إن افتقدوا أحدهم.. سألوا عنه جاره أو ذويه،

فيه ترفرف أعلام المودة والألفة ..

كنائس غيرهم خاوية .. بهرجوها زينوها بلا طائل ..

بل ربما هدموها لقلة الزائرين !

أما نحن فتلك مساجدنا .. معمورة بالعبّاد المؤمنين.

(إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ

وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ).

( 10 )

الأم : هل جلبت الحاجيات من البقالة ؟

الابن : لا .. ليس بعد!

الأم : هل ذاكرت دروسك فأنت على أبواب امتحانات قريبة ؟

الابن : لا .. ليس الآن!

الأم : إذاً قم وارمِ أكياس القمامة في الخارج حتى لا تتعفن.

الابن : أنا مشغول يا أمي، إذا جاء أبي اطلبي منه ذلك.

الأم : اترك جوالك حالاً .. وانظرْ إليّ، هل تسمع ؟

الابن ( ينظر إليها متبرماً ) : ماذا تريدين ؟

الأم : هل ذهبت اليوم إلى الحلقة ؟

الابن : أووووف .. نعم ذهبت.

قل لي : ماذا تعلمتم ؟

الابن : لا أعلم، لقد نسيت يا أمي،

لكنني أتذكر أن المدرّس ألقى علينا درساً عن طاعة الوالدين !!

( 11 )

انضمَّ إلى قوات النخبة كجندي شاب ..

اقتنص الفرصة .. ترك الدراسة وانطلق للتدريب ..

موئله كان نقطة أمنية على طريق سريع ..

نَعُم بالغذاء اللذيذ، والمرتّب المغري،

أحياناً تنتابه نوبات الندم على تركه مقاعد الدراسة،

تساءل في نفسه ” هل سيستمر هذا الحال طويلاً ؟ “

“وإذا لم يَدُم الحال فلن يتركونا لغدر الزمن”

هكذا كانت أمانيه، وهكذا عاش بقية الأمل ..

وللحلم بقية …

( 12 )

أسند ظهره .. بثّ البشرى ..

كان في مقابلة هامة رنت إليها أبصار الشعب المظلوم،

ساق بشراه .. أن دعم الديزل والمازوت سيتواصل

بشرهم أن الكهرباء لن تنقطع مجدداً ..

فجأة تسيّد الظلام .. توقفت المقابلة ..

وانقطعت الكهرباء …

LEAVE A REPLY