إلى أين .. نظرة تقييمية للوضع الراهن مقال لــ وجدي السعدي

309

 

 

حال عدن اليوم يشبه الحالة الحرجة لمريض في غرفة العناية المركزة المعلقة به أكياس المحاليل والدم وأجهزة تنشيط القلب وأكسجين التنفس، فهو لا يستطيع أن يستمر بالحياة دون هذه الأجهزة والأكياس والأدوية والمحاليل.

 

الفرق بين المريض ووضع محافظة عدن أن المريض محجوز للحفاظ على حياته، أما عدن فمهددة بحياتها.

 

في هذه المحافظة حاولت السلطة المحلية السابقة ممثلتاً بالمحافظ السابق عيدروس الزبيدي بناء سلطة خاصة تتصرف بها كحكومة حقيقية لهذه من خلال تطوير قوات أمنها و تنمية مواردها، وتطبيع الحياة فيها..

 

التناقض العميق كان قائماً في الرغبة بالحياة الطبيعية في ظل وضع غير طبيعي، والرغبة في تجسيد الانتصار على خيارات من يتحكمون بمصادر حياة السكان في هذا المكان.

 

بالطبع كان خياراً مستحيلاً أن يكتب له النجاح، وتعمقت استحالته مع الوقت كمثل استحالة فصل أكياس المحلول التي وإن حدثت سرعان ما يتشنج المريض ويبدأ الألم في التصاعد ، فماذا يكون الحال لو فصلت الأجهزة الأخرى؟

 

الحل كان بخلق معادلة تجبر الأطراف الأخرى على رفع الحصار وسياسة التجويع و التركيع، وهذا الحل لم يظهر أنه ممكن التحقيق في أي مرحلة ، ولذا فالنتيجة كانت معروفة سلفاً والمسألة تتعلق بالوقت الذي يعمل ضدنا على طول الخط…!!

ولذلك اصبح يسيطر علينا هاجس مصير محافظة عدن في ضوء التطورات الراهنة، سيما وانها مرتبطة بالتحدي الاكبر وهو مصير القضية الجنوبية التي تسعى تلك الاطراف بسرعة هائلة الى لتحويلها إلى شيء من الماضي.

 

هل مازلنا مقتنعين أنه إذا سلمت محافظة عدن لتلك الاطراف ستستعيد مكانتها وستتم إعادة الحياة لها بتوفير كل متطلبات الحياة الكريمة لأهلها؟ وهل سيعاد لعدن مجدها ورونقها وجمالها ودورها الريادي في المنطقة ونعيش في تبات ونبات؟

 

ثم ماذا عن استحقاقات وأهداف الجنوبيين وأولها إنهاء وجود أي علاقة تربطهم بقوى التخلف والجهل التي جثمت على الجنوب ودمرت على مدى ثلاثة عقود من الزمان كل شي جميل في هذه المحافظة خاصه بصفتها عاصمة الجنوب الازلية والجنوب عامة من خلال سياسة استعمارية نهبت وسلبت كل ثروات وموارد الجنوب وعبثت بأمنه واستقراره وقتلت الالاف من ابناءه واعتقلت الالاف واقصت وسرحت مئات الالاف من الموظفين الجنوبيين من اعمالهم. ونشرت ثقافات دخيلة على هذا المجتمع المدني و الحضاري … بل وحولت كل مدن الجنوب الى ثكنات عسكرية لتوطيد سياستها الاستعمارية، واصبح الجنوبي مجرد موظف من الدرجة الثالثة لاحول له ولا قوة …

 

وعلى رغم مرور كل هذه السنوات التي ذاق فيها الانسان الجنوبي كل أصناف التنكيل والعذاب والحرمان الا أن تلك الاطراف لازالت تريد إعادة صياغة الماضي الأسود ولكن بصورة اخرى تتمثل في فرض تجربة جديدة ليستمر الجنوب كحقل تجارب للقوى السياسية المحلية والاقليمية والدولية … ومع ذلك نحن نقر أننا لسنا بمعزل عن الأحداث التي تعيشها المنطقة ، وان علينا ان نتماشى مع الواقع في ظل تلك الاحداث التي تعصف بالمنطقة ..

 

لكن في المقابل هناك العديد من القوى المتصارعة المعترف بها، وإذا تم تفكيك هذه القوى -جدلاً- والتخلص منها عندها فقط سيكون امرا حتميا علينا أن نتعامل مع ما ستفرضه القوى الدولية والاقليمية علينا ضمن تفاهمات في إطار المجتمع الدولي.. فهل سيحترم العالم عندئذ المواثيق والقوانين الدولية التي تتحدث عن حق الشعوب في تقرير مصيرها ؟!

 

إن الحلول لا تأتي خارج إرادة الشعوب المسيطرة على اراضيها ، ومن هذا المنطلق فنحن اليوم من على الارض ونحن اليوم دون غيرنا من نملك القرار …

 

واذا كان هناك مدخل حقيقي لإنقاذ الشعب الجنوبي ، فهو لن يأتي الا من خلال تشجيعه على تنظيم نفسه ضمن أطر جديدة تتولى قيادة الشعب الجنوبي فالأطر القائمة لم تعد تصلح لشيء ..!!

LEAVE A REPLY