تحقيق خاص: منفذ الوديعة شريان حياة ومصدر ابتزاز لليمنيين

721

(المندب نيوز) : الوديعة – خاص 

في صحراء العبر بمحافظة حضرموت، وإلى الطرف الغربي الجنوبي من صحراء الربع الخالي، يقع منفذ الوديعة الحدودي شريان الحياة المُغذّي بين اليمن والمملكة العربية السعودية، والذي دفعت به الأحداث التي تعيشها اليمن منذُّ أكثر من عام ونصف، ليكون البوابة البرية الوحيدة بين البلدين من أصل أربعة منافذ هي (البقع، الطوال، علب، الوديعة).

 

ورغم هذه الأهمية، إلا أنَّ المنفذ اليوم يقع تحت قبضة عناصر متنفذة من الجيش اليمني، عمدت إلى تحويله لمصدر من مصادر العبث والفساد وابتزاز المُسافرين وجني الأموال بطريقة غير شرعية، وهو ما سوف سيتم أثباته من خلال عدداً من الشهادات والوثائق التي سيتم عرضها خلاله.

 

ترتبط اليمن وجارتها السعودية بحدود برية وبحرية تصل إلى قرابة 1500 كيلو متر، ويتمتع البلدين وفقاً لاتفاقية الحدود التي أُبرمت بين البلدين عام 2000 وعرفت فيما بعد باسم “معاهدة جدة ” فإن هنالك 4 بوابات رئيسية للعبور بين البلدين, لكن انقلاب مليشيات الحوثي والمخلوع صالح على الحكومة الشرعية في مارس 2015، وسيطرتهم على أجزاء واسعة من الحدود، دفعت المملكة إلى إغلاق كافة بواباتها باستثناء “الوديعة” الذي وجدت إدارتها نفسها مسئولة عن تنظيم كافة عمليات السير دون أنْ يتم إمدادها بأي إمكانيات تُساعدها في القيام بتلك المهمة، وهو الذي شهد خلال الربع الأول من هذا العام فقط مرور أكثر من 16 ألف عائد من الأراضي السعودية، فيما شهدت ذات الفترة دخول أكثر من 30 ألف مسافر إلى الجانب السعودي.

 

أما في الجانب الاقتصادي، فالمنفذ اليوم يُعدُّ بمثابة منجم ذهب للحكومة، فجميع الشاحنات والبضائع التجارية بين البلدين باتت تمر عبره، بحسب الإحصائيات الرسمية التي قدمها مدير عام المنفذ مطلق الصيعري، فإنَّ العائدات المالية بلغت خلال الأشهر السبعة الماضية من العام الحالي بلغت أكثر من 32 مليار ريال.

ومع هذه الأهمية، يجد الزائر للمنفذ أوضاعاً غاية في الصعوبة والشحة، وهو الذي يفتقد لتوفر أي بنية تحتية، يُمكن لها أن تليق بالأهمية التي بات عليها المنفذ, فلا خدمات ولا فنادق  ولا مطاعم ومياه شرب ولا حتى دورات مياه للمسافرين, فالمنفذ ومنذُّ افتتاحه عام 2004، لا يزال عبارة عن مجموعة من المنازل الجاهزة المُتحركة, أما المباني الحديثة التي كانت الحكومة قد بنتها منذُّ سنوات يفرض الجيش سيطرتها عليها.

 فساد وابتزاز :

في تلك البقعة الجغرافية، ورغم ما تمتلكه من أهمية إستراتيجية قصوى، كونها ممراً للتجارة والمُساعدات الغذائية وحتى الإمدادات العسكرية للجيش الوطني وقوات التحالف العربي، إلا أنَّ حضور الدولة هنالك لا أثر له يذكر، فيما الحضور والسيطرة الوحيدة والمطلقة هي للجيش وكتيبة الحماية التابعة للواء 141 التابع للعميد هاشم الأحمر.   

تلك السيطرة المُطلقة دفعت إلى بروز نوع من أنواع الفساد والابتزاز خصوصاً ذلك الذي يتعرض له المسافرون وسائقي الشاحنات,  حيث يقول سائقي الشاحنات الناقلة للبضائع عبر المنفذ، أنهم يتعرضون للتأخير والإيقاف لأسابيع عده، ومنعهم من الدخول إلى الأراضي السعودي، مالم يقوموا بدفع مبالغ مالية بصورة غير قانونية تتراوح ما بين 3000- 5000 ريال سعودي. فالأوراق الرسمية للمنفذ لا تشير إلى قانونية مثل هذه الاستقطاعات.

أحمد الخليفي ، هو أحد سائقي الشاحنات الذين تحدثوا لـ “المندب نيوز”  عن تعرضهم للابتزاز من قبل الجنود المُشرفين على البوابة اليمنية، من خلال اشتراطهم دفع مبالغ مالية بصورة غير قانونية من أجل السماح لهم بالمرور, ويُضيف  الخليفي في حديثه قائلاً “هنالك المئات من السائقين الذين يُجبرون على الانتظار لأسابيع عدة، في حال رفضهم دفع تلك الإتاوات، فيما هنالك من لا يضطر للانتظار حتى ليوم واحد” وعند سؤاله عن أسباب ذلك يُجيب بالقول ” لأنهم وببساطة يدفعون أموال للجنود”.

ودفعت هذه الممارسات بالمئات من السائقين إلى إمضاء فترة انتظارهم في العراء، وتحت وطأة الشمس الحارقة، فيما لا يجد الكثير منهم ما يأكلونه، أما لغياب الخدمات أو لنفاذ ما لديهم من أموال بعد أنْ باتوا في حكم العالقين.

وأحمد ليس وحده من أمتلك الشجاعة ليتحدث عما يتعرض له سائقي الشاحنات في المنفذ، في ظل خوف الكثيرين الحديث خشية تعرضهم للاحتجاز من قبل الجنود.

فهنالك أيضاً ماجد الشهالي، والذي ابتدأ حديثه لـ “المندب نيوز” بالتظلم مما يتعرضون له من معاملة غير منصفة, قائلاً ” أنا متواجد هنا منذ 28 يوم، في انتظار دوري للمرور بشاحنتي إلى الجانب السعودي، وحتى الآن لا أعرف متى سيُسمح لي ,فيما آخرون يُسمح لهم بالمرور أمامنا”

وأستطّردَ الشهالي قائلاً “أنَّ بقاءه كل هذه الفترة تسبب في تكبده خسائر مالية فاقت 4000 ريال سعودي كمصاريف، وهي تُشكّل ما نسبته 80% من حجم ما كان يفترض أنْ يجنيه من ربح من هذه الرحلة.” وأضافَ بالقول” كل هذا يحدث لي لأنني رفضت تقديم الرشوة للجنود، الرشوة حرام، وأنا لن أغضب ربي”.

ويؤكد السائقين على أنَّ هنالك سماسرة من الجيش يأتون ليلاً لممارسة الابتزاز، ويطلبوا منهم دفع مبالغ مالية في مقابل السماح لشاحناتهم بالعبور إلى الجانب السعودي صباحاً,  فيما إدارة المنفذ المدنية بعيدة كل البعد عن تلك التجاوزات.

حيث تقول مصادر عاملة في إدارة المنفذ – فضّلت عدم الكشف عن هويتها- أنَّ الإدارة المدنية يقتصر عملها فقط على الإجراءات الرسمية والمكتبية، فيما التحكم في البوابة تقع تحت سيطرة الجيش.

ولا يتوقف الأمر على سائقي الشاحنات، بل يصل أيضاً إلى المسافرين،  حيث ينحصر التعامل في إجراءات إنهاء على المُعقّبين أو ما يُطلق عليهم بـ “المخلصين” وهم في الغالب من الجنود الذين يرتدون زياً مدنياً, ووفقاً لذات المصادر العاملة في المنفذ فإنَّ بعض الموظفين يعملون على مماطلة الإجراءات الخاصة بالمسافرين وعائلاتهم، ما يدفعهم إلى اللجوء للمخلصين الذين ينهون لهم إجراءاتهم بسرعة فائقة في مقابل الحصول على مبالغ مالية يتم تقاسمها مع الموظف وقادة الكتيبة الذين يسمحون بمثل هذه التصرفات.

وهنالك نوع أخر من الفساد، يتمثل في احتكار وسائل النقل الداخلية بين المنفذين اليمني والسعودي على سيارات خاصة بقيادات عسكرية، ومنع الآخرين من العمل بهذا المجال.

ممارسات تؤثر على الاقتصاد الوطني:

وعلى امتداد أكثر من 20 كيلومتر، تصطف المئات من الشاحنات التي تنتظر دورها دون أن يعرف سائقيها متى يحين، الأمر الذي أثر سلباً على حجم العائدات، فإدارة الجمرك بالمنفذ أكدت لـ” المندب نيوز” أنَّ العائدات المالية للمنفذ شهدت تراجعاً للنصف، نتيجة لتأخر دخول الشاحنات, ويقول السيد عبدالباسط البادع، مدير عام الجمرك أنَّ عائدات المنفذ خلال الفترة الماضية بلغت أكثر من 3 مليارات ريال شهرياً، لكنها مؤخراً انخفضت إلى النصف (1.5 مليار) مبرراً ذلك بتأخر الشاحنات في الدخول إلى الجانب السعودي, الأمر الذي يعكس حجم الضرر الذي تلحقه هذه الممارسات في الاقتصاد الوطني.

ومع تزايد حجم الضرر، رفعت إدارة المنفذ برسالة رسمية لقيادة كتيبة الحماية موجهةً لقائدها العقيد مجاهد الغليسي، تُطالبه فيها بإيقاف أفراد كتيبته عن ممارسة هذه الابتزاز، مؤكداً في وثائق تحصلت “المندب نيوز” على نسخة منها، أنَّ لديها كافة الإثباتات على تلك التجاوزات.

 

 لجنة تحقيق وزارية :

ومع تزايد تلك الممارسات وارتفاع أصوات الشكاوى جراءها، والضغط التي مارسته وسائل الإعلام المحلية،  دفعت بالحكومة الشرعية إلى تشكيل لجنة للنزول للمنفذ والاطلاع على الأوضاع فيه، حيث نشرت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية سبأ التابعة للشرعية الجمعة الماضية،  أنَّ رئيس الوزراء الدكتور أحمد بن دغر، أمر بتشكيل لجنة حكومية برئاسة نائب وزير النقل  ناصر الشريف، للنزول إلى المنفذ للاطلاع على ما يحدث بداخله، وأيضاً للعمل على حل معضلة  تكدّس الآلاف من العالقين في المنفذ من حجاج بيت الله الحرام.

غيرَ أنَّ كثير من المراقبين يرون أنَّ تلك اللجنة لن تستطيع أنْ تغير شيء من الواقع القائم في المنفذ، في ظل سيطرة متنفذين في الجيش اليمني، خصوصاً وأنَّ المنفذ باتَ بالنسبة لهم بمثابة الدجاجة التي تبيضُ ذهباً.

 

LEAVE A REPLY