تقرير خاص: اللاجئون الأفارقة في اليمن هاربون أم مقاتلون

849

 

المكلا(المندب نيوز)خاص

 

منذ أن وقعت اليمن اتفاقية للاجئين عام 1951 كأول دولة في شبه الجزيرة العربية، باتت اليمن بمثابة محطة لمئات الألاف من اللاجئين القادمين من دول القرن الأفريقي الذي تمزقه الصراعات الأهلية والمجاعة، فحين تشير التقارير الدولية إلى أن عدد النازحين الصوماليين في اليمن قد تجاوز حاجز المليون نازح.

 

لم تكن الهجرة الأفريقية خلال العقود الماضية إلى السواحل اليمنية تُشكل هاجساً لدى المراقبين على اعتبار أن الأوضاع في هذا البلد الأفقر عربياً تظل أفضل بكثير من تلك التي تشهدها دول القرن الأفريقي، لكن الغريب في الأمر أن معدل تلك الهجرة لم يتأثر بالأوضاع التي باتت اليمن تعيشها منذ أكثر من عام ونصف واندلاع الحرب الأهلية فيها جراء انقلاب مليشيات الحوثي وحليفهم المخلوع صالح. ففي حين كان يتوقع أن تحد هذه الأحداث من معدلات تلك الهجرة غير الشرعية، إلا أن جميع المؤشرات لاتؤكد استمراريتها فحسب بل وتزايدها.

حيث أشار تقرير حديث أصدرته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أن 10 آلاف شخص يتوافدون شهريًا إلى سواحل اليمن قادمين من منطقة القرن الأفريقي والشرق الأدنى على متن قوارب خشبية صغيرة. فيما تقول الحكومة اليمنية أنها رصدت دخول أكثر من 60 ألف لاجئ أفريقي إلى أراضيها جلهم يحملون الجنسية الصومالية فيما يتوزع البقية على جنسيات أثيوبية وإرتيرية.

ومع أن اليمن تمتلك ساحلاً طويلاً على البحر العربي، يصل طوله لأكثر من 1000 كلم، كفيل بأن يجعل من جميع مدنها البحرية وجهة للاجئين والمهربين، إلا أن محافظة شبوة تُعد الأنسب والأكثر أفضلية للمهربين الذين باتوا يأمنون من عدم تعرض قوات خفر السواحل والبحري لهم، فمنذ أن اشتعلت الحرب في البلاد انهارت المنظومة الأمنية والعسكرية في تلك المحافظة بشكلاً كامل. 

 

هذا وتُعد مناطق ( البيضاء- المجدحة –العليب ) في منطقة (بئرعلي) الساحلية على بعد 130 كيلومتر من مدينة (عتق) عاصمة المحافظة ، وكذلك مديرية (الرضوم) الساحلية من أكثر المواقع التي تشهد وبصورة شبه يومية وصول العديد من المراكب المحملة بالمئات من اللاجئين الأفارقة الباحثين عن الفردوس الموعودين فيه باليمن.

 

السلطات المحلية في محافظة شبوة جنوبي اليمن والتي تقول إنها لا تستطيع التعامل مع تلك الهجرة غير الشرعية للمئات من الأفارقة بصورة يومية عبر سواحلها التي تزيد عن 200 كيلو متر نتيجة افتقادها للإمكانيات، عمدت خلال الفترة الماضية إلى نصب عدد من المخيمات لإيواء اللاجئين في العاصمة (عتق) التي يصلونها بعد أن يقضوا يومان في رحلة الوصول إليها مشياً على الأقدام قادمين من منطقة (بئرعلي). 

 

لكن هذه المخيمات لا تغدوا أكثر من كونها استراحة يقضي فيها اللاجئون يومين أو ثلاثة للاستراحة من عناء السفر، قبل أن يواصلوا سيرهم في وسط صحراء قاحلة وتحت أشعة شمس حارقة لا ترحم صوب مديرية بيحان والتي تبعد مسافة 200 كيلومتر عن مركز المحافظة. وبعد أن يقضوا يومين أو ثلاثة كاستراحة في هناجر قديمة يوجد بها بئر ماء يتبع إحدى محطات بيع الوقود، ينطلق مسيرهم صوب محافظة مأرب التي يقولون أنهم يمرون من خلالها إلى الحدود اليمنية السعودية حيث يستقبلهم هنالك مهربين يُساعدونهم على دخول الأراضي السعودية مقابل مبالغ مالية قد تصل في بعض الأوقات إلى 500 دولار لكل شخص.

 

ويقول الناشط الحقوقي أحمد دويل لـ “المندب نيوز” أن الآف اللاجئين الأفارقة بينهم نساء وأطفال وشباب يتدفقون بصورة مستمرة منذ أشهر إلى محافظة شبوة، لكنهم لا يلبثون فيها كثيراً فهي بالنسبة لهم تمثل محطة عبور لا أكثر، في رحلتهم صوب محافظة مأرب ومنها يتوجهون عبر الصحراء والجبال صوب الحدود مع المملكة العربية السعودية في محاولة منهم وبواسطة مهربين للدخول إلى الأراضي السعودية. وبالإمكان رؤيتهم بصورة يومية وهم يسيرون على شكل أفراد وجماعات على امتداد الطريق الدولي والطرقات الفرعية الصحراوية الرابطة بين مديريات بيحان وعاصمة المحافظة.

مضيفاً بالقول أن كثيرون منهم يلقون حتفهم أما بالغرق في مياه البحر أثناء محاولتهم الوصول إلى اليابسه، وأما الموت بالجوع والعطش أذا ما ضاعوا في صحراء المحافظة. ناهيك عن اللاجئين الذين يقتلون برصاص الحرب المشتعلة بين الجيش الوطني المسنود من رجال القبائل المحلية من جهة ومليشيات الحوثي والمخلوع صالح من جهة أخرى.

وأشار دويل بالقول (لا يوجد حتى اللحظة أي تواجد للمنظمات الدولية لمعالجة هذه الأزمة، حتى الحكومة يبدو تدخلها غائباً تماماً سوى عن بعض المخيمات التي لا تحتوي على أي خدمات).

ويدفع التزايد الغريب لأعداد المهاجرين غير الشرعيين من الأفارقة بالكثير من الشكوك في مدى قيام جهات منظمة على استغلالهم وتجنيدهم لصالح مليشيات الحوثي والمخلوع صالح، خصوصاً في ظل تزايد التقارير المحلية عن إنشاء الإنقلابيين الحوثيين لمعسكرات تدريب تابعة لهم في محافظة صعدة يتم فيها تجميع هؤلاء اللاجئين وتدريبهم على السلاح وإخراطهم في الجبهات في مقابل حصولهم على الأموال، ليتحول هؤلاء اللاجئون الذين أجبرتهم الأوضاع في بلدانهم على النزوح عنها، إلى مجرد مرتزقة على أيدي مليشيات الحوثي والمخلوع صالح.

ويقول اللواء ناصر النوبة، قائد محور عتق العسكري إن المحور قد أقام مخيم لإيواء هؤلاء اللاجئين يضم أكثر من 1400 لاجئ أفريقي بينهم 44 امرأة رغم الإمكانيات البسيطة. داعياً المنظمات الاغاثية والإنسانية إلى النظر بجدية إلى الأوضاع الإنسانية التي يمر بها اللاجئون الأفارقة. 

وفيما يتعلق بالمخاوف من إستغلالهم من قبل المليشيات الحوثية، قال النوبة إن غالبية اللاجئين تتراوح أعمارهم ما بين 17- 27 عام، وإن هذا السن العسكري يدفع بالجيش في شبوة إلى الشعور بالقلق من أن يتم استغلاله من قبل المليشيا. محذراً من أن نجاح هذه الأعداد الكبير للاجئين الأفارقة في إختراق الأراضي السعودية ، يُشكل تهديداً للأمن القومي السعودي.

 

بدوره لم يخفي القيادي في المقاومة الشعبية في محافظة شبوة مبارك العولقي، قلقه من تزايد ظاهرة هجرة الأفارقة إلى البلاد قائلاً ” نحن نشعر بالكثير من القلق إزاء استمرار هذه الهجرة غير الشرعية بهذا الكم الكبير، وما نعرفه أن الهجرة في أي مكان كانت تشمل الرجال والنساء والأطفال، لكن الغريب هنا أن نسبة النساء والأطفال صغيرة جداً في مقابل أعداد الفتية والشباب”.  وأضاف قائلاً “هنالك مؤشرات عدة تؤكد على تورط الحوثيين في استغلال حاجة هؤلاء اللاجئين وتجنيدهم لصالحهم في المعارك الدائرة على مختلف الجبهات بعد أن بدأت أعداد المسلحين في صفوف الحركة الانقلابية في التناقص جراء المعارك التي يخوضونها على أكثر من جبهة على امتداد محافظات البلاد”.

وأشار القيادي العولقي بالقول لـ (المندب نيوز) “لقد أعتقلنا خلال الفترة الماضية بعض الأفارقة الذين عملوا كمرتزقة مع مليشيات الحوثي وصالح واكتشفنا أنهم يعملون على تجنيد اللاجئين، ونطالب من الحكومة الشرعية ممثلة بالرئيس هادي أن يساعدنا في مجابهة هذه الظاهرة من خلال تزويد المقاومة والجيش الوطني بالإمكانيات التي تمكنهم من إيقاف وصول المزيد من الأفارقة، لأن المطاف سينتهي بهم في معسكرات التدريب الحوثية”.

وتسأل العولقي في حديثه عن الكيفية التي يصل بها هؤلاء الأفارقة إلى معسكرات التدريب التابعة للحوثيين في محافظات حجة وصعدة، مروراً بمحافظة مأرب التي تقع بالكامل تحت سيطرة الجيش الوطني الموالي للرئيس هادي وتتمركزوا فيها هيئة أركان الجيش. داعياً الحكومة إلى التعامل بجدية أكثر من هذه القضية.

وبحسب الروايات التي يقدمها اللاجئون فإنهم يأملون من رحلتهم هذه أن تقودهم إلى المملكة العربية السعودية للحصول على فرص عمل وحياة أفضل. لكن المتابع للعملية سيجد الكثير من علامات الاستفهام حول هذا الأمر، فالمعروف أن الحدود اليمنية السعودية تشهد تشديدات أمنية وعسكرية عالية جراء المواجهات المشتعلة على الحدود في المناطق التي يُسيطر عليها الحوثيون، الأمر الذي يُصعب من تحقيق أي اختراق يسمح للعشرات الالاف من اللاجئين الأفارقة بالمرور. ليبقى السؤال القائم هل هؤلاء اللاجئون هاربون من بؤس العيش في بلدانهم، ليلتقفهم المتمردون الحوثيون ويجعلون منهم مرتزقة يقاتلون في صفوفهم.

 

LEAVE A REPLY