احذر من تأثير الحزن على علاقاتك الاجتماعية

422

 

المكلا(المندب نيوز)رصد

تترك انفعالاتنا ومشاعرنا آثارا سلبية غير متوقعة على الطريقة التي نتفاعل بها مع آلام الآخرين، كما تقول الصحفية في بي بي سي ميليسا هوغينبوم.
في رواية “حكاية الخادمة”، وهي من فئة روايات الديستوبيا، التي تعرض رؤية تشاؤمية لمجتمع بائس وتعيس، وصفت الروائية مارغريت أرتوود، مآسي بطلة الرواية “أوفريد” ومعاناتها وصفا دقيقا يمسّ وجدان معظم القراء وترق له قلوبهم.

فكلما تتألم أوفريد، تكاد تتألم أنت أيضا لألمها، ويقشعر بدنك من ألوان الظلم والقهر التي كانت تتعرض لها في محبسها.

لكننا في الحقيقة نشعر بهذا الألم والحزن الشديدين لأننا نعي أن كل عمل روائي تأثر بأحداث تاريخية وقعت بالفعل. وذكرت أرتوود في حديث لصحيفة “نيويورك تايمز”: “إذا أردتُ أن أصف حديقة خيالية، أحرصُ أن يكون كل شيء فيها واقعيا، حتى الضفادع”.

ولهذا فنحن نضع أنفسنا على الفور مكان أوفريد، ونرثي لحالها، لأن هذه الروايات تخاطب قدرة البشر على مشاركة الآخرين وجدانيا، والشعور بما يشعرون به.

وفي الواقع، إذا رأينا شخصا ما يُصاب بأذى، تنشط المناطق المرتبطة بالألم البدني في الدماغ.
المراهقون “يتأثرون باكتئاب الأب”

هل نحتاج إلى ساعات نوم أقل كلما تقدم بنا العمر؟

احذر تصفح وسائل التواصل الاجتماعي في هذا الوقت من اليوم
وقد تبين أن حالتنا النفسية لها تأثير على مدى تعاطفنا مع الآخرين.

فإن انفعالاتنا ومشاعرنا تغير الطريقة التي يتفاعل بها الدماغ مع الآخرين، حتى عندما نراهم يتألمون.

وقد يكون للحزن الذي ينتابنا تبعات على المجتمع المحيط بنا أيضا.
ومن الواضح أن حالتنا المزاجية قد تؤثر على سلوكياتنا بطرق لا تحصى، بداية من اختيارنا لأطعمة معينة- إذ نُقبل مثلا على الأنواع غير الصحية من الطعام عندما نشعر بالحزن- إلى طريقة تعاملنا مع أصدقائنا.

فإذا كان أحد أصدقائنا مهموما ويائسا قد ينتقل هذا الشعور إلينا، ومن ثم قد يستبد بنا أيضا الهم والحزن.

وتوصلت إحدى الدراسات التي أجريت في عام 2017 إلى أن الحالة المزاجية السيئة تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
شخص يضع شوكة فوق يدهمصدر الصورةALAMY
Image caption
المشاعر السلبية تؤثر على مدى تعاطفنا مع آلام وهموم الأخرين
فإن انفعالاتنا ومشاعرنا، في حقيقة الأمر، لها تأثير بالغ علينا، إلى درجة أن الشعور بالسعادة والرضا قد يخفف من الإحساس بالألم عندما نُصاب بجروح، إذ أن تأثيرها قد يضاهي تأثير مسكنات الألم.

وفي المقابل إذا تملكتنا المشاعر السلبية يزيد الشعور بالألم من نفس الإصابة.

والأسوأ من ذلك، أوضحت دراسة نشرت في ديسمبر/ كانون أول عام 2017، أن الشعور بالحزن والاكتئاب يؤثر على قدرتنا على التفاعل مع آلام الآخرين. فالحزن يقلل من التعاطف مع الآخرين.

وكانت إيملي كياو تاسيريت، من جامعة جنيف، وفريقها يهدفون من وراء هذه الدراسة إلى فهم الكيفية التي تؤثر بها مشاعرنا وانفعالاتنا على طريقة تفاعلنا مع معاناة الآخرين.

ووضع الفريق في ساق المشاركين في الدراسة جهازا تزيد درجة حرارته تدريجيا حتى يشعروا بالألم.

وعرض الفريق أيضا على المشاركين مقاطع فيديو إيجابية وأخرى سلبية، وفحص أدمغتهم بأجهزة مسح خاصة، ثم جعلوهم يتعرضون للألم بذلك الجهاز الحراري، وعرضوا عليهم صورا لأشخاص يتألمون.

وتساءل الفريق هل سيتعاطف المشاركون مع الأشخاص الذين تسبب آخرون في إيلامهم؟

وتبين أن المناطق المرتبطة بالألم البدني من الدماغ، أي القشرة الانعزالية الأمامية والقشرة الحزامية الوسطى في الدماغ، كانت أقل نشاطا لدى المشاركين الذين شاهدوا مقاطع فيديو سلبية قبل أن يروا أشخاصا آخرين يتألمون.

وهذه المناطق من الدماغ تنشط عادة عندما نرى الآخرين يتألمون أو عندما نتألم نحن. وتقول كياو تاسيريت: “هذا يعني أن المشاعر السلبية تمنع الدماغ من الإحساس بآلام الآخرين”.

وكشف هذا البحث أن العواطف والمشاعر قد تغير “نشاط الدوائر العصبية في الدماغ”، ومن ثم، فإن مشاعرنا الداخلية تؤثر على نظرتنا للآخرين.

مشهد تمثيلي لشخص يعاني على يد آخرين يحيطون بهمصدر الصورةALAMY
Image caption

تتضمن رواية الخادمة الكثير من الأحداث التي ينفطر لها القلب
وحول نفس الموضوع، أجرت كياو تاسيريت وزملاؤها دراسة أخرى، وتوصلوا إلى أن مشاهدة مقاطع الفيديو السلبية قد تجعل الناس يميلون إلى تفسير المشاعر المحايدة التي ترتسم على وجوه الآخرين على أنها مشاعر سلبية.

ولا شك أن هذه النتائج لها تبعات على الحياة اليومية.

فلنفترض أن الشخص الذي يتولى زمام الأمر، وليكن رئيس العمل، قد تعرض لشيء سلبي في حياته، حتى لو كان مجرد مشاهدة فيلم حزين، فإنه سيصبح أقل تعاطفا مع هموم وآلام زميله في العمل، وقد يصل به الأمر إلى أن ينظر إليه نظرة سلبية.

إذ أن حالتنا المزاجية السيئة تجعلنا أقل تقبلا لمشاعر الآخرين.

وهناك الكثير من الآثار المترتبة على انعدام الشفقة والإحساس بآلام الآخرين.

فقد توصلت نتائج بعض الدراسات إلى أن عدم الاكتراث لهموم الآخرين يؤدي إلى الإحجام عن التبرع للأعمال الخيرية.

وكشفت نتائج مسح الدماغ في تلك الدراسات أننا نكون أقل تعاطفا مع الأشخاص من خارج دائرتنا الاجتماعية المقربة، مثل أعضاء الفريق في ناد رياضي.
إذن، لماذا تحدّ المشاعر السلبية من مشاركة الآخرين وجدانيا؟ ربما يرجع السبب إلى نوع من التعاطف يُسمى التعاطف المفرط مع الآخرين.
وتقول عنه أولغا كليمكي، من جامعة جنيف، إنه “شعور المرء بأنه عاجز عن تحمل” المشاعر السلبية التي قد تنتابه إذا أصاب الآخرين مكروه، وهذا يجعلك تحاول في المقابل عدم الاستسلام لهذه المشاعر.
وتنشط في حالة التعاطف المفرط أماكن معينة في الدماغ تختلف عن تلك التي تنشط في حالة التعاطف المعتاد مع الآخرين، وربما يقلل الحزن، الذي يستبد بالمرء بسبب التعاطف المفرط مع أشخاص آخرين، من مشاعر الشفقة.
لكن ثمة عاملا آخر، وهو أن تعرضنا لأي موقف من المواقف التي تثير لدينا مشاعر سلبية يحملنا على الانكفاء على ذواتنا والتركيز على المشكلات التي تواجهنا.
لاعبا كرة قدم يتعانقانمصدر الصورةGETTY IMAGES
Image caption
من الطبيعي أن تتعاطف مع الخاسر
تقول كياو تاسيريت: “إن مرضى القلق والاكتئاب الذين استبدت بهم المشاعر السلبية يميلون أكثر من غيرهم إلى التركيز على مشكلاتهم الخاصة، والانعزال عن الأخرين”.
وتوصلت كليمكي وزملاؤها في دراسة أجريت عام 2016 إلى أن فرط التعاطف يزيد من السلوكيات العدائية. وعُرض على المشاركين مواقف فيها ظلم وجور، ثم أتيحت لهم الفرصة لمعاقبة المتنافسين أو العفو عنهم.
وفوق ذلك، خضع المشاركون لاختبار الخصال الشخصية قبل الدخول إلى المعمل. وتوصلت الدراسة إلى أن المشاركين الذين لديهم مشاعر شفقة فطرية أكثر من غيرهم لم يعمدوا إلى إهانة الأخرين.
وقد كشفت كليمكي في أبحاثها الموسعة عن المشاركة الوجدانية أنه من الممكن التشجيع على انتهاج السلوكيات الرحيمة. وتوصلت إلى أن مشاعر الشفقة والرحمة قد تُنمى بالتدريب. وهذا يعني أن انفعالاتنا العاطفية تجاه الآخرين يمكن أن تتغير مع مرور الوقت.
ونستخلص من هذا أنه بإمكاننا أن نتعاطف مرة أخرى مع الآخرين حتى لو كانوا في كرب شديد. فضلا عن أن التفكير الإيجابي يساعد في توسيع نطاق الوعي والانتباه لاحتياجات الآخرين.
وتقول كياو تاسيريت: “قد يسهم هذا في توطيد علاقاتنا مع الآخرين، وهو العامل الأهم الذي يكفل لنا السعادة”.
ولهذا عندما تجد نفسك مغموما، فكر فيما سيتركه ذلك من أثر على الناس الذين تتعامل معهم يوميا.
وربما يجدر بك أن تختار الوقت المناسب لقراءة الروايات المأساوية أو مشاهدة أفلام الرعب. فإذا قرأتها أو شاهدتها وأنت في حالة مزاجية سيئة لن تتعاطف مع أبطالها، وستصبح أقل تأثرا بآلام الآخرين، سواء كانت حقيقية أو خيالية.

LEAVE A REPLY