يا ريحة اهلي .. وطنا ظم اوجاع الغرباء مقال لـ بدر العجيلي

353

عندما وقعت عيني على صورة المشراف – قرية عسدالفاية – ومضت في الذاكرة سنوات الصبا ورفقة الأمس الغائب في حنايا الوجدان ، حين كنا نخرج والبهجة تشع من وجوهنا عندما نسمع بسيل في الوادي فنرتقي قمة المشراف المكان الامن من إخطار السيول العارمة والموقع الذي يمنحك رؤية خلابة لمجرى السيل المتدفق بغزارة وحدة من اقاصي بعيدة حتى ينتهي وينطفئ زخمه في بحر العرب …،.

لم تزل بواعث الحنين الى عسدالفاية تسكن شغاف القلب وتصيغ بحواسي اجمل واعذب الاحلام والاماني رغم مرور السنين الطويلة وعوامل البعد والنوى عنها ، عن بيوتها المتواضعة والمتناثرة فوق ترابها المعفر بالحنان والاشواق ، وعن سهولها وتلالها وأوديتها الخصبة بالمراعي والاشجار .

يداهمني شعور الغريب كلما طفت ذكرى من اعماق الماضي وسحر تلك الايام المغموسة في براءة الطفولة وحنان القرب حيث الشمل مجتمعا.

كانت ومازالت عسدالفاية قرية لها ما يميز قرى المشقاص من صفات الكرم والخصال الطيبة وكانت حضن دافئ للكثير من الغرباء الذين وفدوا إليها من اماكن بعيدة واندمجوا فيها حتى غدو من اهلها لم يشعروا بالغربة بين اناسها وسكانها ، لقد انستهم طيبة اهلها وساكنيها اوجاعهم وآلامهم فأسسوا حياة جديدة على ترابها حتى قضى بعضهم نحبهم فيها ودفنا في ترابها المقدس الذي حنا عليهم بعد إن ضاقت بهم اوطانهم،.

وسوف اتوقف عن شخصيتين منهم رغم كثر الشخصيات وتنوعها ،

حسن الطست :

لازلت اتذكر هذه الشخصية فقد كنت اراه كل صباح عندما اكون ذاهب الى {مدرسة الشهيد العلي } انذاك فقد كان يسكن الخرابة المتاخمة للمدرسة ….كان طويل القامة يتدلى شعره الكثيف من تحت طاقيته الواسعة …كثير الصمت ميالا إلى الهدوء  وحسب ما يقول الذين عاصروه إنه ولج عسدالفايه في منتصف القرن الميلادي ، وبها قضى بقية عمره حتى وافته المنية في بيت بن غبيش العرابي .كان ذلك عام 1996م من القرن المنصرم.

 

الشخصية الثانية: 

بن حيمد  : اتى الى عسدالفاية من حدود المهرة في ظروف غامضة ولا احد يعرف سبب هجرته  الحقيقية ، قيل إنه دخل عسدالفاية في النصف الاخير من القرن المنصرم ،

اشتغل بالجريف _ شباك الحوي التقليدي اليدوية والتي يصطاد من خلالها كميات كبيرة من السردين _ عاملا عاديا ثم امتهن بيع الاخشاب التي يقذف بها البحر الى البر ويتحصل منها على اسباب قوته وعيشته وانتهى به المطاف بائع متجول يجوب بيوت القرية حاملا معه الورس والحنا  .

شخصيته هادئة جدا لا يتكلم إلا فيما ندر تصبغ كلامه لهجته الشرقية التي لم يطرأ عليها اي تأثر وكانه بمعزل عن المجتمع الذي يعيش فيه ، رغم مرور اكثر من نصف  قرن وهو بعيدا عن من يذكره بها.

شاء القدر ان ان يسير في اتجاه المثل الذي يقول {الشجرة اذا عمرت ترجع لاصلها}.

في مطلع عام ٢٠٠٠م اشتد عليه المرض واحس دنو اجله ، وحنت روحه الى التربة التي ولد فيها ونمت حواسه بين أحضانها وقضى القدر ان يضل مهاجر عنها يكبت مخزون من الاسرار والاشواق في دواخله إليها طلب العودة الى منطقة ذرفات المهرية هناك حيث يرقد جسده بين اهله واحبابه .

فإذا حرم عليه العيش حيا معهم فلينعم بحنان الوصل والقرب ميتا بينهم .

LEAVE A REPLY