تحديات سياسية وعسكرية ومخاطر حوثية تهدد حضرموت

1134

المكلا (المندب نيوز) سوث24

ترى جماعة الحوثي المدعومة من طهران، في موقع محافظة شبوة الاستراتيجي الذي يتوسط محافظات الجنوب ، بمثابة استراحة محارب للعب على عامل الوقت ولجمع القوى البشرية والعسكرية، والتمدد باتجاه عدن وأبين غربا، وحضرموت والمهرة شرقا، في ضوء تطورات مأرب شمال شرق اليمن.

تتعاظم التحديات العسكرية والأمنية تجاه محافظة حضرموت في الجنوب، إذ يُمكن أن تكون هدفا للجماعة الشمالية، لاسيما بعد سيطرة الحوثيين أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، على مديريات بيحان الثلاث، دون قتال، وسط اتهامات للسلطة المحلية والقوات الموالية للإسلاميين بالتواطئ مع مقاتلي الجماعة.

يجعل موقع حضرموت، الذي يحده من الشمال الغربي محافظتا الجوف ومأرب، وتسيطر الجماعة الحوثية على معظم مساحاتها، هدفا يستحق المجازفة، لاسيما وأنّ المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت، يتهمها الأهالي بالخضوع لسلطات حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين).

تأهّب

لقد استشعرت قيادة حضرموت، على ما يبدو، خطورة الموقف العام، وأدركت أهمية الاستعداد لمواجهة أي طارئ للدفاع عن حضرموت، والحفاظ على الاستقرار النسبي بالمحافظة، التي لم تشهد أي معارك عسكرية مع الحوثيين منذ اندلاع الحرب في 2015.

وقال محافظ حضرموت الذي يشغل منصب قائد المنطقة العسكرية الثانية: “إن حضرموت لن ترضى بأي شكل من الأشكال بأفكار هذا المشروع الإيراني”، متطرقا إلى الإجراءات التي اتخذتها السلطة وجولاتها التفقدية إلى معسكرات المحافظة الشرقية والغربية لرفع الجاهزية تحسبا لأي طارئ. [1]

وأكد البحسني أن “الموقف العام الذي تمر به حضرموت يتطلب إشراك كافة فئات المجتمع في الملف الأمني، نتيجة للموقف السياسي والعسكري الذي طرأ مؤخرًا مع تقدّم ميليشيا الحوثي الانقلابية في بعض جبهاتها خصوصًا مأرب وشبوة”. [2]

وخلال الشهرين الماضين، أجرى البحسني سلسلة جولات تفقدية والاطلاع عن كثب على جاهزية ألوية المنطقة تحسبا لأي طارئ، شملت: لواء شبام، ومعسكر عجزر، الذي لعب دورا مهما في تطهير المناطق التي تقع تحت حمايته من تنظيم القاعدة، ولواء الدفاع الساحلي الذي يتواجد بقارة الفرس، ومعسكر الحمراء الذي يؤمّن الحدود الغربية لمحافظة حضرموت.

وأشار البحسني إلى أنّ “أبناء حضرموت على قدرٍ كافٍ من الوعي والفهم، وسيهبّون لإسناد قوات الجيش في سبيل الدفاع عن المحافظة والحفاظ على أمنها واستقرارها وخيراتها وثرواتها”.

المنطقة المثيرة للجدل

تتخذ المنطقة العسكرية الأولى من مدينة سيئون حصنا منيعا لقواتها – الشمالية – المكونة من سبعة ألوية، يرأسها اللواء الركن صالح طيمس، وتخضع مباشرة لسلطة نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر.

يتهم الأهالي قوات المنطقة الثانية بالعجز عن تأمين مناطق وادي حضرموت من الهجمات الدموية والاغتيالات التي طالت عشرات المدنيين من أبناء المحافظة.

وتجاوزت حالات الاغتيالات في وادي حضرموت حتى العام 2019 الـ300. وعلى الرغم من انتشار قوات المنطقة الأولى على مداخل ومخارج مناطق الوادي، إلا أنها لم تعلن عن القبض على أي “مشتبه به”، وتم تقييد معظم تلك “الجرائم” ضد مجهول. [3]

وحمّل بعض الأهالي والسياسيين في جنوب اليمن، المنطقة العسكرية الأولى، المسؤولية عن عمليات التصفية الجسدية التي طالت رجال أمن وشخصيات حضرمية، واتهموها بإيواء عناصر “جهادية”. [4]

ونفت مصادر رسمية في وادي حضرموت  لـ«سوث24»  هذه الاتهامات، واعتبرو التهم الموجههة ضدها “غير صحيحة، وخارج صلاحياتها وقدراتها.

وقال وكيل محافظة حضرموت المساعد لشؤون مديريات الوادي والصحراء عبدالهادي التميمي: إنّ “المنطقة العسكرية الأولى غير مسؤولة عن كشف الجريمة وهي غير مؤهلة لذلك أصلا، وهناك أجهزة أمنية أخرى واستخبارات مسؤوليتها القيام بذلك”. ووصف ذلك بأنها “في الأصل مكايدات سياسية.”

وقال التميمي لـ «سوث24» إنّ “هذه القوات لا تتصرف من تلقاء نفسها بل تتلقى الأوامر وفق توجيهات من الوزارة، وخير دليل على ذلك أن القيادة لم تصدر أي مخالفات بحق المنطقة الأولى حتى الآن”.

لكن التميمي رأى بضرورة إخراج هذه القوات خارج سيئون، وقال “لا يفترض أن يكون موقع هذه القوات سواء الأولى أو الثانية داخل المدن، ونحن قد طالبنا بذلك منذ تأسيس حلف حضرموت لكن دون جدوى”.

من ناحيته قال الأكاديمي في جامعة عدن الدكتور محسن علي ناصر، أنّه وعلى الرغم من أنّ المنطقة العسكرية الأولى “تمتلك الخبرة العسكرية الطويلة والمنظمة، لكنّها تفتقر إلى الحاضنة الاجتماعية والشعبية، كون أغلب عناصرها من خارج النسيج الاجتماعي المحلي”.

ويضيف لـ«سوث24» بأنّ “تواجد هذه القوة كان بسبب تقاسم النفوذ والمصالح بين القوى التقليدية قبل المتغيرات الاخيرة، بينما المنطقة العسكرية الثانية نشأت بعد انهيار الوضع العسكري القائم هناك وانتشار الإرهاب، وبالرغم من خبرتها القصيرة إلا أنّ هناك انسجاماً تاماً مع المجتمع المحلي، الذي شكل ركيزة داعمة لها”.

وأشار ناصر إلى مخرجات اتفاق الرياض، التي شملت “نقل القوات التي في المنطقة الأولى إلى مأرب” إلا أنّ ذلك لم يحدث. واعتبر بقاءها هناك بهدف “حماية النفط من أجل السيطرة على ثروات حضرموت وشبوة.”

ويخشى بعض المراقبين من أنّ تشكّل ألوية المنطقة العسكرية الأولى تهديدا خطرا على ساحل حضرموت، إذا ما تحالفت هذه القوات مع جماعة الحوثيين، في حال سيطرت الأخيرة على مدينة مأرب. إذ تتعاظم المخاوف من تكرار سيناريو تسليم المواقع العسكرية للحوثيين، كما فعلت سابقا عندما سلمتها لتنظيم القاعدة في نيسان/ إبريل 2015 دون قتال، أو كما حصل في الجوف وشبوة.

وطالبت الفواعل الاجتماعية والسياسية بالمحافظة بضرورة تعزيز انتشار وتمركز القوات التي أنشأتها ودربتها الإمارات العربية المتحدة (النخبة الحضرمية)، التي تجاوز عددها 5000 ألف عنصر، في جميع مناطق المحافظة.

وحققت القوات الأخيرة إنجازات أمنية في مكافحة الجريمة وكشف خلايا الجماعات “المتطرفة”، عقب دورها البارز في تحرير المكلا من قبضة تنظيم القاعدة في 2016.

مصير مأرب

يعتقد مراقبون أنّ محافظ حضرموت “تأخر في استشعار الخطر عقب تقدم الحوثيين في جبهات مأرب وشبوة، وكان يأمل أن تنكسر تحركات الحوثي قبل أن تصل حضرموت”.

ويرى الكاتب السياسي المقيم في المملكة المتحدة، خالد سلمان أنّ “حضرموت وشبوة جنت سوء تقدير الموقف حين تركتا مأرب تواجه مصيرها دون تدخل”.

ويشير إلى أن “الانتظار يعني منح الحوثي مزيدا من الوقت، لتنظيم صفوفه واستكمال حشوده، ورسم الخطط للإجهاز على ما تبقى من المحافظات، وتحديداً الشرقية. [5]

وقال سلمان، في تغريدة له، من المهم أولا “تخليص حضرموت من قوات علي محسن الأحمر”.

ويتفق الأكاديمي محسن علي ناصر مع طبيعة المخاوف من سيطرة الحوثيين “الكاملة على مأرب وشبوة”، لكنه رأى أنّ “الفاعلين السياسيين النشطين في الجنوب لا يمكن أن يقفوا موقف المتفرج أمام هذا الوضع”.

وكان الحوثيون قد عينوا، نظريا، لقمان با رأس محافظا لمحافظة حضرموت في أبريل 2018. وعكست الخطوة حينها تطلعات الجماعة التوسعية ناحية مناطق جنوب اليمن. [6]

التحديات السكانية

إلى جانب التحديات الأمنية والعسكرية، التي تواجه حضرموت، تتزايد المخاوف بشأن التبعات الاقتصادية والديموغرافية التي يشكلها ملف النازحين من مناطق القتال إلى المحافظة.

وفقا لتقديرات، بلغ عدد النازحين في حضرموت منذ نيسان/ أبريل 2016 نحو 10 آلاف و571 فرداً من الذكور والإناث والأطفال، بمعدل 1472 أسرة حتى أيار/ مايو من عام 2019، فيما تجاوزت أعداد الأسر النازحة إلى مدينة سيئون وحدها 2556 أسرة قدمت من عدة مدن واقعة تحت سيطرة الحوثيين. [7]

ويعيش النازحون ظروفا صعبة بعد فقدانهم منازلهم؛ جراء القصف الحوثي الذي طال مناطقهم وقراهم في مختلف المناطق اليمنية، وحرمهم من العيش فيها ومن ممارسة أعمالهم.

ولعبت المنظمات الإنسانية دورا كبيرا في إيواء وتأهيل النازحين الذين وصلوا مناطق حضرموت، وعملت على تأهيلهم ليتمكنوا من الانخراط في سوق العمل.

لكنّ الأهالي في وادي حضرموت لا يخفون خشيتهم من استمرار عمليات النزوح، التي يرون أنّها تحمل وراءها مساعي “التغيير الديموغرافي” لاعتبارات سياسية مُمنهجة.

وكان مسؤولون في المجلس الانتقالي بحضرموت قد رأوا أنّ بعض النازحين “يملكون أكثر من أهل الأرض، وأصبحوا عبئًا ثقيلاً” على المواطنيين المحليين، فضلا عن أزمة السكن وارتفاع إيجار المنازل في مناطق الوادي. [8]

ومع تزايد التحديات التي تواجهها إدارة البحسني، بالذات على المستوى الاقتصادي في ظل ارتفاع الأسعار وانهيار العملة المستمر، تُلقي التحديات العسكرية المزيد من الضغط على المحافظة، التي تتنازعها سلطتان عسكريتان في الوادي والساحل، وتدفع بالتساؤل حول حجم التنسيق، الذي تبذله إدارة البحسني مع المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يحظى بشعبية وتأثير كبير في حضرموت، لمواجهة ذلك.

LEAVE A REPLY