عدن (المندب نيوز) كتب: سيد مصطفى - حنان حسن بدأت الرحلة إلى عدن بعد أن وصلنا إلى مطارها الدولي في الساعة السابعة صباحاً، حيث كان في استقبالنا أربع أشخاص منهم مازن بن بريك نجل رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الإنتقالي أحمد سعيد بن بريك، والسيدة عائشة طالب مسئول دائرة المرأة والطفل بالجمعية الوطنية، ووقفنا بالمطار بعض الوقت لاتخاذ بعض الإجراءات خاصة بعدما عرفوا اننا وفد إعلامي مصري، لتستقبلنا عدن بجبالها الشاهقة التي تتلألأ بالمنازل على سفوحها بطابعها الجنوبي. وانطلقت بنا السيارة لتقف بنا أمام مطعم ريم لتناول وجبة الإفطار وطلبوا مننا ان نطلب ما نشتهي انا طلبت جمبري معه بطاطس وهناك من طلب كبده وفاصوليا بيضاء ولحم مقطع مع بطاطس وفوجئت أن شعب عدن وجبة الإفطار عندهم الفاصوليا البيضاء مع الروتي وهو يشبه الفينو عندنا في مصر الكل كان يأكل من طبق الاخر ليتذوق كل الاكل الموجود على المائدة اكلنا وشبعنا وقمنا لننطلق بعد ذلك للفندق لنرتاح قليلاً. وسط اعلام الجنوب كانت محطتنا الثانية بغير ترتيب منا فلم تكد الساعة الثانية لمكوثنا بالفندق تنتهي حتى دق جرس التليفون قائلا تجهزوا للاستعداد لوجبة الغداء خارج الفندق، وجدنا سيارة سوداء تنتظرنا بها نيران سوقي نائب رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الإنتقالي ومسؤول الشئون القانونية به، والسيدة عائشة طالب، لتنطلق سريعا مخترقة المدينة القديمة بكريتر مرورا بشارع المعلا الرئيسي، تنبض الشوارع بحس جنوبي لا تخطئه العين ففي كل شارع علم الجنوب غما مرفوعًا على سارية أو مرسومًا على منزل، وصورة الرئيس عيدروس رئيس المجلس الإنتقالي الجنوبي تتكرر أمامك بمعدل كل 5 دقائق والتي يصاحبها أحيانًا صورة أبو اليمامة قائد قوات الدعم والإسناد الذي أغتيل عبر صاروخ أثناء أحد العروض العسكرية ممهورة بكلمة "كلنا أبو اليمامة". وصلت السيارة إلى حي التواهي، والتي تعني الضواحي حيث كانت ضواحي مدينة عدن القديمة وعندما جاء الاستعمار الانجليزي استصدم المحتل انجليز بحرف الضاد التي تتميز به اللغة العربية والذي تبدأ به كلمة "ضواحي" لتتحول باللكنة الإنجليزية إلى "تواهي" وتتحول معها أهمية الحي حتى يصبح في فترة من الفترات الميناء الرئيسي لعدن واليوم يعتبر المركز السياسي للمدينة حيث يحتوي على رأس الجهاز التنفيذي للجنوب وهو المجلس الانتقالي الجنوبي والرأس التشريعية للجنوب وهي الجمعية الوطنية للمجلس الإنتقالي الجنوبي، لتتوقف السيارة أمام أبواب الجمعية. الغداء مع أبو عصام تبدا بعض الإجراءات الأمنية قبل أن ندخل لمقر الجمعية الوطنية ودار حينها الكثير من الأفكار حول هذا البرلمان الجنوبي الذي يمثل محافظات ومديريات الجنوب ولجانه النشطة التي تعمل ليل نهار من أجل خدمة قضية الجنوب والتي كان لنا العديد من الحوارات مع أعضاءها قبل وصولنا إلى عدن صعد بنا الاسانسير ووصلنا إلى إحدى الأدوار وتنقلنا من حجرة لحجرة حتى وجدنا تاريخ من النضال يتمثل امامنا إنه اللواء أحمد سعيد بن بريك. لا تشعر أن اللواء أحمد سعيد بن بريك أو "أبو عصام" إنسان غريب عنك رغم أنك تقابله للمرة الأولى في تاريخك، ربما لأنه جمعنا حوارات مفصلية لا يمكن أن تمر عليها مرور الكرام، الأول قبل تطهير حضرموت من القاعدة بعدة أيام عندما كان محافظُا لحضرموت وتحدث فيه بصراحة عن عزمه بالإجهاز على التنظيم، والثاني عقب اتفاق الرياض ليكشف عن أهم كواليسه وبنوده حين كان الناس يتسائلون ويخمنون تفاصيله، وربما طبيعة اللواء الإجتماعية ساعدت على ذلك، وهي نفس الطبيعة التي جعلت المجلس الإنتقالي يسند له ملف الحوار الجنوبي-الجنوبي. تتذكر في حديثك للواء أحمد سعيد بن بريك الرئيس المصري محمد أنور السادات، فكلاهما يعتز ببزته العسكرية حتى بعد توليتهما لمناصب أخرى، وكلاهما يتميزان بالحسم العسكري والحرب الخاطفة، فلا يمكن قياس إنجاز اللواء بن بريك في حربه ضد القاعدة، إلا عبر استحضار الأمثلة المشابهة، حيث نجت المكلا في عصره من مصير كل من الفالوجة والموصل والرقة وسرت التي لم تترك فيها الطائرات حجر على حجر، ولم تستمر المعارك لعدد من الشهور كحالة بنغازي أو درنة أو دير الزور، بفضل الخطة المحكمة التي أنهت على التنظيم في 3 أيام. تجاذبنا اطراف الحوار مع بن بريك ليكشف عن أسرار لأول مرة عن إبادة القاعدة ودوره في ذلك، وكيف انه غير خطة التحالف وجنب المكلا التدمير بالطيران، ثم ننتقل لبرنامج الرحلة، ربما سمعنا عن بعض أجزاؤه قبل السفر ولكن كانت الحقيقة مفاجأة بالنسبة لنا بأنه سنزور جبهة الضالع، وسنغطي من على خط النار بين #الحوثي وقوات المقاومة الجنوبية، هؤلاء الأبطال الذين لقنوا الميليشيات الإنقلابية العديد من الدروس، وكانت الجملة الأكثر صدمة "يمكنك ان توجه له تلك الأسئلة مباشرة" في اشارة لعمل حديث مع المناضل والزعيم عيدروس الزبيدي، ورغم ذلك لم نخفي طموحاتنا البعيدة صعبة المنال مثل الإنتقال لجزيرة سقطري أو المكلا، وهو ما قابله الرجل بسعة صدر ووعدنا برحلة خاصة لهذين الموقعين، ولم تنتهي المفاجآت عندما وجدنا صديق آخر هو الدكتور سالم الشبحي رئيس دائرة الصحة والبيئة بالجمعية الوطنية، وهو الرجل النشيط في الحفاظ على صحة أبناء الشعب الجنوبي. يأتي دور الغداء مع اللواء بن بريك حيث تشعر بالفخر أنه يقاسم معك المائدة بطل جنوبي حضرمي مثله يعيد الأذهان لأبطال دولة #اليمن الشعبية الديمقراطية، وتجد على المائدة مختلف صنوف الطعام الجنوبي مثل الزربيان وهو عبارة عن قطع من اللحم الغارقة في الأرز والزعفران تعانقها قطع من البطاطس، والبسباس وهو عبارة عن صلصة فلفل حارة، غير صنوف من الطعام الحلو مثل الشعرية وهي ليست بملح مثل المصريين إنما تعتبر من الوجبات الحلوة وتمتزج بالسكر، والعريكة وهي عبارة عن فتة من البلح، وتلاها صنوف من النباتات الخضراء مثل البصل الأخضر والجرجير والكرات والفجل والخيار والجزر، بجانب العديد من الفواكه مثل الموز والحبحب "البطيخ في مصر" والبابايا، لنختتم زيارتنا مع الشاي العدني الأصيل . احسان عبد القدوس لم نصل للفندق مرة أخرى حتى كنا على موعد مع جولة ليلية في عدن، لا تقل جذبًا وسحرًا عن المدينة الرائعة، برفقة إحسان عبد القدوس وهو ليس الكاتب المصري الشهير ولكنها إمرأة مثلت إحدى قصص عشق الجنوبيين بمصر الذي لا ينتهي، فوالدها سماها وهي في رحم أمها بإحسان سواء أكان الجنين ذكرًا أم أنثى، تعلمت في عدن واستكملت دراستها في أوكرانيا والتي كانت حينئذ تتبع للإتحاد السوفيتي حيث درست هناك طب تخصص نساء وولادة، وتجيد الروسية بطلاقة، لا تزال تذكر دولة #اليمن الشعبي وكيف كانت توفر إحتياجات السكان، وأنها استغنت عن عيادتها بعد حرب 2015 واكتفت بالعلاج في المستشفى الحكومي، رأفه بالمرضى الذين أثقلتهم الحرب ولم يعودوا يستطيعوا أن يغطوا تكاليف العيادة، وهي شقيقة الكاتبة الإعلامية البارزة نادرة عبد القدوس، رئيسة مجلس إدارة صحيفة 14 أكتوبر سابقًا، ونائب رئيس الدائرة الإعلامية للجمعية الوطنية للمجلس الإنتقالي الجنوبي حاليًا. منارة عدن انطلقت رحلتنا الليلية من منارة عدن، والتي تتحدث المصادر التاريخية أنها تعود لـ1200 عام وأنها كانت منارة لمسجد قديم تهدم، لا يقل مشهد المنارة ليلاً شموخًا عن مظهرها نهارًا، إلا أنه يزيد في إرتباطها بالليل وإنارتها للسفن عندما كانت مجاورة للبحر، وكيف إهتدت على أضوائها مئات السفن وأنقذت بعضها من الغرق وسط تلاطم الأمواج، وما وصلت إليه حاليًا عندما ابتعدت عنها مياة البحر لتجاور مبنى البريد، إلا أنها تحتفظ بشموخها كرمز لحي كريتر العريق بطولها البالغ 21 مترًا. مراكب الصيادين توقفت السيارة أمام عدد من سفن الصيد الراسية عند الشاطئ، حيث تشتم رائحة السمك من المياة وتتشبع بها رئتيك مستمتعًا برياح الهواء الخفيفة التي تذكرك بشهر مايو في الأسكندرية، في منظر رائع في خلفيته على الجهة الأخرى قلعة صيرة المتلآلآة ليلاً، وترى الصيادين جالسين على الشاطئ يخزنون القات بعد يوم طويل من العمل الشاق ساعين على رزقهم وسط الأمواج. أكلة سمك على شاطئ صيرة نبتعد خطوات من الشاطئ إلى مكان تزيد فيه رائحة الأسماك قوة، ورغم الليل إلا أنه صاخبن بأصوات الباعة ألا وهو "الحراج" أو سوق السمك وهناك ترى السمك من كل شكل ولون، خاصة أسماك القرش المنتشرة بأحجام وأشكال مختلفة، وعند كل بائع قصة وسعر وأنواع مختلفة من الأسماك، وفي النهاية اشترينا سمك يسمى "الجحش" وهي احدى اسماك البحر الأحمر كبيرة الحجم، وسمك المقص والمحار. تتوجه بعد شراء السمك إلى طهيه في مكان يسمى "المخبازة"، وهناك يلوح في الأفق سحر المكان حيث تجلس امام البحر بهواؤه المنعش، وقلعة صيرة بعبق تاريخها، وامامك صنوف من السمك الساخن مع خبز "اللحوح" وهو يشبه الفطير ولكنه عبارة عن طبقة فطير واحدة كبيرة الحجم، و"الرطب" وهو خبز طري يشبه قلب الفطيرة المصرية ولكن دون وجهها المقرمش، وذلك مع البسباس، ويطفئ حرارة السمك الكولا مع الثلج المجروش الذي يشجعك على شربه حتى وإن لم تكن من هواة المياة الغازية، تذكرنا الذكريات الجميلة لعدن ودولة الجنوب وتبادلنا الأغنيات الرائعة التي تناسب جو هذا العشاء الصحو. جولة ليلية لم تنتهي جولتنا بالعشاء ولكن قامت السيارة بجولة اخرى ليلية في ربوع أحياء مدينة عدن من المعلا والتي تمثل وسط المدينة بمحلات الوجبات الجاهزة والكثير من المطاعم على الطراز الغربي إلى خور مكسر وشواطئها الرائعة إلى قصر العبدلي مذهل البناء، حتى عدنا إلى حي كريتر الذي يمثل البلدة القديمة لعدن، ووسط هذا الإنتقال لا يمكن تغافل العين الساهرة للحزام الأمني ونقاطه اليقظة التي استوقفتنا في كل نقطة نمر عليها.