وهيب الحاجب
وهيب الحاجب

تهميشُ الجيش الجنوبي وتجاهل خبراته والاعتماد على “المقاومات” المنتشرة هنا وهناك بشكل مليشيات لا تمتُّ للنظامية والمنهجية العسكرية بصلةٍ .. واحدٌ من أهم الأسباب التي تهددُ المناطق الجنوبية المحرر وتعززُ مطامعَ الغزاة والانقلابيين وتحيي لديهم أحلامَ العودةَ إلى الجنوب .
فالمليشيات الشمالية أكثر تنظيماً وفهماً بقواعد الاشتباك وتكتيكات المعارك وحرب العصابات وأساليب الاستنزاف ونقل المعارك من منطقةٍ إلى أخرى ، بل وأكثر إدراكاً لطبيعة مسرح العمليات وفنون التعامل معه وفقاً للظروف الجغرافية والإمكانية البشرية والعتاد ، وكذا استيعاب إمكانية العدو وقدراته .

 

كل هذه القدرات للمليشيات في الشمال نابعةٌ من أن المليشيا هناك احتوتْ في إطارها وحداتٍ عسكريةً ذات قدرات فائقة في التدريت والتأهيل وذات خبرات عسكرية عالية نتجتْ عن تراكماتٍ من الاهتمام الخاص الذي كانت تحضي به تلك الوحدات من نظام المخلوع علي عبدالله صالح ،

 

وفي مقدمة هذه الوحدات ألويةُ الحرس الجمهوري والأمن المركزي وغيرها من الوحدات التي بناها المخلوع خلال ثلاثه عقود من الزمن ، ضفْ إلى ذلك أن العصاباتِ والمليشيات التي ظهرت في مناطقِ شمال الشمال على أيدي الحوثيين لم تكنْ هي الأخرى في منأى عند التدريب واكتساب الخبرات الميدانية .

إذ تدربت تلك العصاباتُ على أيدى خبراء إيرانيين وعسكريين من حزب الله صاحب النَفَس الطويل في المقاومة والاستنزاف ، كما اكتسبت مليشيات الحوثي خبراتٍ عسكريةً ميدانية خلال حروبها الستة ضد جيوش المخلوع ، ثم صموها إلى جانب قوات صالح في مواجهة عاصفة الحزم والتحالف العربي الذي أوشكك أن ينهيَ عامه الثاني من الحرب في اليمن دون أن يحققَ شيئاً في صنعاء ومناطق شمال الشمال .
قواتُ المخلوع ومليشات الحوثي تشكّل اليوم جبهةً قويةً تتحركُ بشكلٍ نظامي وبنَفَسٍ منهجي فيه من الاحتراف ما يمنكّه من البقاء على الأرض والمواجهة لفترة ربما ستكون أطول ، فاستطاع هذا التحالف الملشياوي أن يحقق متغيراتٍ عسكرية كبيرةً على الأرض ويفرض في الوقت ذاته واقعاً جديدا على المستوى السياسي ، ولا أدلّ على ذلك من مبادرتي كيري وولد الشيخ اللتين جعلتا من الحوثي رقماً صعبا في العملية السياسية بعد أن كان انقلابياً متمردا يُقابل ويُعامل بقرارات دولية تحت البند السابع !!
هذا القدراتُ العسكرية والسمة النظامية للمليشيا في الشمال يجب أن يكون لها ما يوازيها في الجنوب إذا ما أردنا وأراد التحالف العربي الحفاظ على النصر الذي تحقق في الجنوب ، يجب أن يُوجٍد التحالف العربي في الجنوب رادعاً قوياً ويخلق نداً حقيقياً يقف ضد مخاطر وتهديدات التحالف الملشياوي القادم من الشمال ، فالاعتماد على قوات التحالف في الجنوب أمرٌ غير مطمئمن لا للجنوبيين ولا للسعودية أو التحالف ذاته ، إذ أن المتغيراتِ بالمنطقة تتسارع والمصالح تتقاطع وتتضارب والمبادرات السياسية تتوالى سيما مع فرضية تغيير مُحتمل في المواقف الأمريكية وسياستها الخارجية الناتجة عن انتخاب “ترامب” رئيساً للولايات المتحدة ، ما يعني بالتالي أن مسألة بقاء قوات التحالف باليمن مسألة وقت ، وإن حصل ذلك فإن محافظات الجنوب وخطر عودة الحوثيين واردٌ وطبيعيٌ ونتيجة حتمية لما كسبته يدُ التحالف العربي في الجنوب .
إذن التحالف العربي بحاجة إلى بناء علاقاته جديدة مع الجنوب وفقاً لمقتضيات المستقبل وما قد يُحتمل من تغيير في المواقف الدولية والسياسة العالمية للدول المهيمنة على القرار العالمي ، التحالف بحاجة إلى إعادة ترتيب وضع المقاومة الجنوبية وانشالها من مأساة المليشيا والتبعية للأشخاص إلى العمل العسكري النظامي ، التحالف بحاجة إلى كوادر الجيش الجنوبي وخبرات الجنوب العسكرية سيما الضباط والقيادات لتكون هي على رأس المقاومة وإعادة توزيعها ومنهجيتها وتوظيفها في الميدان بشكل نظامي ، التحالف بحاجة إلى فتح معسكرات لاستقبال ضباط الجيش الجنوبي واستغلال خبراتهم للارتقاء بالمقاومة وتأهيل شبابها بأساليب أكثر علمية وحداثة ، التحالف بحاجة إلى خطوات عملية وسريعة نحو مثل هذه التوجهات بغية بناء جيش جنوبي فيه من النظامية والاحتراف ما يضمن الأمن القومي العربي ويحافظ على مصالح دول الخليج في باب المندب وخليج عدن وحضرموت حتى وإن رحل التحالف أو سحب قواته وأوقف عملياته لأي سببٍ من الأسباب .

LEAVE A REPLY