د عيدروس نصر ناصر
د عيدروس نصر ناصر

مما لا شك فيه أن موقف التحالف العربي في دعم الشرعية والتصدي للانقلاب المدعوم من قوى إقليمية ودولية، قد كان محل ترحيب الغالبية العظمى من الشعب اليمني في الشمال والجنوب على السواء، مع تفاوت مستوى الترحيب الذي يبدو في الجنوب أكثر وضوحا واتساعا بسبب اعتبار الحرب ليست فقط نزاعا بين الشرعية والانقلاب بل غزوا يكرس الاحتلال ويواصل النتائج المدمرة التي صنعتها حرب 1994م الممقوتة عند السواد الأعظم من الجنوبيين بينما حظي الانقلاب ببعض الدعم من قبل شرائح واسعة في الشمال وإن لم تشكل الأغلبية العددية للسكان لكنها تمثل المراكز الأقوى نفوذا والأشد تأثيرا في صناعة الأحداث، وتلك جزئيات يمكن تنالوها في سياق آخر عما نحن بصدده.

 

 

هناك جزئية مهمة لم يستطع التحالف العربي التقاطها، وربما هو التقطها لكن صانع القرار لا يرغب في التعاطي معها لاعتبارات تخص السلطات في بلدان التحالف، هذه الجزئية تتمثل في الخلفيات التاريخية لثنائية الشمال والجنوب، والتي تجلت في النتائج التدميرية لحرب 1994م على الجنوب وما خلفته من آثار لا يمكن تجاهلها كما لا يمكن القفز عليها عند معالجة التعقيدات التي تراكمت على مدى ربع قرن من تجربة الوحدة الفاشلة.

طوال الربع قرن المنصرم (1990 ـ 2015) أثبتت الحياة العملية أن تجربة الوحدة قد تحولت إلى احتلال عززته سياسات الاستعلاء والتهميش والاستبعاد الذي تعرض له الجنوب والجنوبيون، الذي جاء مصحوبا بثقافة السلب والنهب الذي تعرض له كل شيء في الجنوب بدءا بالوظيفة الحكومية والمؤسسات والمنشآت مرورا بالثروات وصناعة القرار وليس انتهاء بطمس الهوية والثقافة والتاريخ وما تعرض له من تزييف وتزوير.

لقد ظل وما زال الجنوبيون يعتبرون الوافد السياسي بفعل حرب 1994م ليس سوى قوة احتلال متلفعة برداء الوحدة زيفا وزورا وادعاء، وما الثقافة والممارسة اللتان تجلتا مع الانقلاب والغزو الثاني سوى تجسيد لذلك الاحتلال وبرهان على ما بين الانقلاب والاحتلال من وشائج وتداخل واتصال.

إن هذا المشهد قد رافقه مشهد آخر تمثل في نظرة الجنوبيين إلى قوات التحالف التي يرى فيها الجنوبيون قوات شقيقة جاءت لتدعم تحرر الجنوب وتخليصه من براثن الاحتلال وآثاره المدمرة، وقد تجسد ذلك في المأثرة العظيمة التي صنعتها المقاومة الجنوبية قليلة العدد محدودة العدة والعتاد وقليلة التجربة القتالية مقارنة مع ملايين الرافضين للانقلاب في الشمال وما يتميزون به من قدرات تسليحية وخبرة قتالية وشراسة في المواجهة.

لكن هذه الكثافة العددية الرافضة للانقلاب لا ينظر الغالبية من أفرادها وقادتها إلى تحالف الانقلابيين إلا على إنهم مواطنون يمنيون أشرار ينبغي تأديبهم وليسوا قوة احتلال وافدة من خارج الجغرافيا والتاريخ الشماليين.

وبالمقابل أن الكثير من الرافضين للانقلاب في مناطق الشمال لا يبدون ارتياحا كبيرا لقوات التحالف العربي بل إن كثيرون من قادة المكونات والمناطق لا يتعاملون مع التحالف إلا مضطرين ولو وجدوا بديلا عنه لاختاروه ومن غير المستبعد أن يسعى كثيرون لإعادة صياغة العلاقة مع التحالف الانقلابي باتجاه صفقة تنهي الصراع وتعيد المياه إلى مجاريها، وقد صدرت الكثير من التلميحات من قبل قيادات من الدرجة الثانية والثالثة تدعو إلى هكذا علاقة بينما من المستحيل أن يحصل أمر كهذا في الجنوب.

ما لم يلتقطه قادة التحالف العربي ـ أو ربما هم التقطوه لكنهم لا يرغبون في التعاطي معه ـ هو أن الجنوب قضية مستقله لها خلفياتها التاريخية والوطنية والقانونية والحقوقية والثقافية والمادية والإنسانية والنفسية، وإنه بدون النظر إلى هذه القضية من هذا المنظار، واستمرار الربط بين الأمن والاستقرار وبين الوحدة الفاشلة إنما يجعل عمل التحالف كمن يحرث في البحر، وإنه لا سلام ولا استقرار ولا تنمية ولا نهوض (لا في الشمال ولا في الجنوب) إلا بانعتاق الجنوب من التبعية المقيتة لمراكز القوى التي دمرت كل شيء في الشمال وألحقت به الجنوب بعد 1994م وهي تتلهف اليوم لانتظار نتائج حسم المعركة لتستأنف ما كانت بدأته منذ عقود والعودة إلى الجنوب لاستعادته إلى بيت طاعتها ، وغني عن البرهان ان عدم الاستقرار هذا سينتقل بآثاره السلبية للتأثير على بلدان الجوار الخليجي التي تواجه اليوم تهديدا جديا من قبل حملة مشروع الامبراطورية الفارسية بينما سيكون وجود دولة جنوبية مستقلة حليفة بإخلاص لجيرانها العرب ومصدر أمان وسد حماية من الجهة الجنوبية للأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي العربية.

فهل سيكون التحالف العربي عاملا مساعدا على إحقاق الحق ودعم الحق الجنوبي في التحرر والانعتاق من سطوة ونفوذ مراكز القوى (الانقلابية والشرعية) على السواء؟ أم إن حربه (أي التحالف العربي) على الانقلاب ستعيدنا إلى ثنائية الجمع بين النار والبترول تحت شعار “وحدة اليمن واستقراره” هذه الشعار الذي أثبتت الحياة بطلانه واعوجاجه ولامنطقيته؟

LEAVE A REPLY