(المندب نيوز) |  ترجمة

 

عندما قُتل 3 أفرادٍ من “تنظيم القاعدة” بسوريا، واليمن، وأفغانستان في أكتوبر/تشرين الأول، لم يكن يُحدث الأمر ضجةً واسعة. فمع هيمنة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على المشهد في عالم الجماعات الجهادية، لا نستطيع أن نلومك إذا ما اعتقدت أن سلفه (تنظيم القاعدة) أصبح على الهامش.

 

ولكنَّك ربما أخطأت الاعتقاد؛ فمقتل هؤلاء الرجال الثلاثة، في ضرباتٍ جويةٍ أميركية، يوحي بعودة تنظيم القاعدة مجدداً، في الوقت الذي يتراجع فيه تنظيم داعش في كلٍ من العراق وسوريا وليبيا. ورويداً رويداً، يحاول تنظيم القاعدة إحياء نفسه من جديد، معتمداً بشكلٍ أكبر على القوة الناعمة بدلاً من الاعتماد على الأعمال الوحشية القاسية.

 

أعلن البنتاغون أنَّ واحداً على الأقل من قادة التنظيم الثلاثة الذين قُتِلوا، وهو حيدر كيركان، المقاتل المخضرم المنضم الذي أمضى بتنظيم القاعدة 20 عاماً حتى الآن، كان مكلَّفاً التخطيط لهجمات ضد الدول الغربية وقت وفاته.

 

هذا الادِّعاء مثيرٌ للجدل؛ إذ إن تنظيم القاعدة، الذي تأسَّس عام 1988، تخلّى في السنوات الأخيرة عن مثل هذه العمليات بعيدة المدى لصالح استراتيجيةٍ ترتكز بالأساس على بناء نفوذ وقدرات التنظيم بشكلٍ بطيءٍ وثابت على المستوى المحلي داخل العالم الإسلامي.

 

الابتعاد عن “داعش”

جزئياً، هذا القرار، الذي اتخذه أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة الذي خَلَفَ الراحل أسامة بن لادن، بعد فترةٍ قصيرة من توليه قيادة التنظيم عام 2011، فُرِض على التنظيم بسبب ضعفه، والذي نتج بعد سنواتٍ من استهدافه من قِبَل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

 

لكن، في الآونة الأخيرة، أصبحت هذه الاستراتيجية الجديدة بمثابة محاولة متعمَّدة لإبعاد القاعدة عن تنظيم “داعش”، المسؤول عن الضربات التي نظَّمها مباشرةً في فرنسا، وبلجيكا، وألمانيا، وتونس، من بين أماكن أخرى، وفي الولايات المتحدة الأميركية أيضاً من خلال ما يسمى “الذئاب المنفردة”.

 

وتَعمَّد تنظيم القاعدة والتابعون له تجنُّب الوحشية التي يتبعها تنظيم داعش، وسعى لحشد الدعم في جميع أنحاء العالم الإسلامي، من خلال التواصل مع زعماء القبائل، وصنَّاع القرار السياسي، وأحياناً من خلال التواصل مع المجتمع ككل، بدلاً من الاعتماد على الترهيب والإكراه.

 

ولا تسعى “القاعدة” للدعاية أو العلنية؛ حيث يقول ديفيد غارتنشتاين-روس، أحد الباحثين البارزين بمؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات (مركز أبحاث أميركي): “تتلخَّص تجربة (القاعدة) الاستراتيجية في أنَّه إذا استولى التنظيم على مساحةٍ كبيرة من الأراضي، فإنه يجذب قوات مكافحة الإرهاب، لذلك هو ببساطة لا يريد أن يثير أية ضجة حول هذا الموضوع”.

 

تُعَد المواقع الثلاثة التي ضربتها الولايات المتحدة قبل شهرين ذات أهمية كبيرة؛ فأفغانستان، واليمن، وسوريا، كلها مناطق استراتيجية رئيسية؛ إمّا فشل تنظيم “داعش” في تحقيق تقدمٍ كبيرٍ فيها، وإما يتراجع منها، وتقهقر منها حالياً، كما هو الحال في سوريا.

 

جنوب آسيا

في يناير/كانون الثاني 2015، أعلن تنظيم داعش، رسمياً، إنشاء ما يطلق عليه “ولاية خُراسان” في أفغانستان وغرب باكستان. وتدل هذه الخطوة، إلى جانب محاولته للتوسع ببنغلاديش، على توجُّه التنظيم نحو إنشاء فروعٍ له في جنوب آسيا، والفوز بمجندين من بين أكثر من 400 مليون مسلم في المنطقة. ولكن مسلحي التنظيم لم ينجحوا كثيراً في هذا الأمر.

 

وكتب سيث جونز، وهو مستشارٌ سابق للقوات الأميركية في أفغانستان، هذا الشهر قائلاً: “على الرغم من جهوده الكبيرة… يسيطر تنظيم داعش على أراضٍ صغيرةٍ في جنوب آسيا، وشنَ فقط عدداً قليلاً من الهجمات، وفشل في الحصول على دعم معظم السكان المحليين، وعانى في ظل افتقاره إلى القادة الأكفاء”.

 

ومن أهم العقبات الرئيسية أمام توسُّع “داعش” في جنوب آسيا، معارضة معظم الجماعات المسلحة المحلية للتنظيم، ولا سيما حركة طالبان.

 

ولا يزال تنظيم القاعدة، الذي احتفظ بعلاقةٍ وثيقة مع طالبان وبعض الجماعات المسلحة الأخرى، موجوداً في أفغانستان. وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، هاجمت القوات الأميركية والأفغانية مجمع تدريب ضخماً في جنوب البلاد، ما أسفر عن مقتل أكثر من 200 مسلح.

 

وكان هذا المجمع يُستَخدَم من قِبَل تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية (AQIS)، أحد فروع التنظيم وأُنشيء عام 2014. وأشار مسؤولون من جنوب آسيا إلى أنَّ تنظيم القاعدة بشبه القارة الهندية قد فشل حتى الآن في تنفيذ أية هجماتٍ كبيرة أو جذب أعدادٍ كبيرة من المجندين. ومع ذلك، قال أحدهم إنَّ استمرار تنظيم القاعدة في المنطقة بشكلٍ عام أمرٌ “مثيرٌ للإعجاب”.

 

ويقول أحد المسؤولين، والذي تحدَّث شريطة عدم الكشف عن هُويته: “كان هناك ضغطٌ مستمر على التنظيم، وخاصةٍ عناصره القيادية، لمدة 15 عاماً، وما زالوا هناك. مثَّل مقتل القحطاني خيبة أملٍ لهم، ولكنَّهم عانوا الأسوأ وما زالوا يعودون”.

 

اليمن

كان اليمن ساحةً رئيسية أخرى للمعركة؛ إذ تمكن تنظيم القاعدة، وربما كانت تلك هي النتيجة غير المقصودة الأكثر بروزاً للتدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، من إدارة دويلةٍ صغيرة على ساحل اليمن على لعدّة أشهر.

 

زوَّدت مدينة المُكلا ذات الموقع الاستراتيجي المهم تنظيم القاعدة بعائداتٍ قُدِّرَت بمليوني دولار يومياً. وقدَّر تقريرٌ حكوميٌ أميركيٌ في 2015 أنَّ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب (AQAP)، الذي يتَّخذ من اليمن مقرَّاً له، يضمّ على الأقل 4 آلاف مقاتلٍ، وهو ما يمثِّل 4 أضعاف إجمالي مقاتليه العام السابق.

 

وأقام التنظيم كذلك روابطاً مع سكان جنوب اليمن، الذين شعروا بالتهميش من قِبَل النخبة الشمالية في البلاد على مدى سنوات.

وقال دبلوماسيٌ إقليمي يتتبَّع الشأن اليمني: “ربما نكون في مواجهة فرعٍ أكثر تعقيداً للتنظيم، وليس مجرد تنظيمٍ إرهابي، لكنَّه حركةٌ تسيطر على الأراضي وسكانها يعيشون سعداء تحت حكم التنظيم”.

التواجد في إفريقيا

نجحت “القاعدة” كذلك في توسيع وجودها بإفريقيا؛ إذ غطَّى عنف ووحشية جماعة بوكو حرام النيجيرية، التي انقسمت الآن على خلفية إعلان مبايعتها لـ”داعش”، وتمدُّد “داعش” في مصر، وكذلك في تونس، وليبيا، على جهود الحركات التابعة لتنظيم القاعدة في إفريقيا، وهي جهود أقل علنيةً، ولكنها أكثر فاعلية حسب بعض التقديرات.

ففي الصومال، قضى قادة “حركة الشباب” بلا هوادةٍ على الفصائل الموالية لـ”داعش” داخل الحركة، والتي كانت ترغب في تنصُّل الحركة من مبايعتها لتنظيم القاعدة التي استمرت 5 سنوات.

وتُحاصَر آخر المجموعات المنشقَّة حالياً من القوات الصومالية في أقصى شمالي الصومال، في ولاية بونتلاند التي تتمتَّع بحكمٍ شبه ذاتي، وتواجه الإبادة.

وفي منطقة الساحل، وعلى الرغم من ظهور فصيلٍ واحدٍ جديد يشن الهجمات تحت اسم “داعش”، فإن ائتلافاً من الفصائل التي تكوِّن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (AQIM) هو الذي يبسط هيمنته.

واستغلَّ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الصلات العميقة، بعضها عن طريق المصاهرة، بالمجتمعات المحلية، والنزاعات العرقية المتأججة؛ من أجل الحصول على الدعم والإمكانات في مالي، وهي دولةٌ رئيسية لم يستطع الفرنسيون وقواتٌ دوليةٌ أخرى القضاء على المتطرفين بها. وقال غارتنشتاين-روس: “(القاعدة) في طريقها إلى أن تصبح، وبفارقٍ كبيرٍ، الحركة الجهادية الأقوى في إفريقيا”.

القاعدة في الشام

قد يكون المسرح الأكثر أهميةً هو الشام. ورغم أنَّ أكثر المحلِّلين يعتقدون أنَّ “داعش” سيبقى قوةً نافذة، حتى ولو كانت متفرِّقةً، في المنطقة خلال سنواتٍ مقبلةٍ، فإنَّ “القاعدة” ربما تكون الفائز الأكبر.

جوهر استراتيجية “القاعدة” في سوريا هو الجماعة التي تُسمَّى الآن جبهة “فتح الشام” (JFS)، وكانت تُعرَف سابقاً بـ”جبهة النصرة”، والموجودة في سوريا. أعادت الجبهة تعريف نفسها في أواخر يوليو/تموز كقوةٍ ليس لها علاقة بالنضال الجهادي العالمي؛ بل تُكرس جهودها فقط لقتال نظام بشِّار الأسد وحلفائه.

وفي السنوات الأخيرة، حاولت “القاعدة”، بصورةٍ متكرِّرةٍ، تقليص ارتباطاتها بالجماعات المحلية؛ لتفادي تنفير المجتمعات التي لا ترغب في أن تكون جزءاً من “الجهاد العالمي”، لكنَّها، في الوقت نفسه، تأمل إمكانية فرض الإسلاميين المتشدِّدين لإدارةٍ منضبطة وعادلة، حتى ولو كانت صارمة، في المناطق التي يسيطرون عليها.

ويخشى مسؤولون غربيون من أنَّ جبهة “فتح الشام” لن تهيمن فقط على الساحة الجهادية في الشام بعد هزيمة “داعش”، لكن سيكون بإمكانها أيضاً توفير نقطة انطلاق لتنظيم القاعدة لشن هجماتٍ داخل أوروبا، إذا ما غيرت الجبهة استراتيجيتها الحالية.

وقد أوضح الظواهري أنَّه على الرغم من أن الجبهة قد تكون منحت الأولوية للتحرُّكات العسكرية المحلية في هذه اللحظة، فإنها لا تزال ملتزمةً بالهجوم على الغرب في المدى البعيد.

وقال ماثيو هينمان، عضو مركز جاين لدراسات الإرهاب والتمرُّد (JTIC)، إنَّه “في الوقت الذي تستمر فيه خسارة تنظيم داعش للأرض مع مواصلة التحالف الدولي شن الغارات الجوية على الأهداف التابعة للتنظيم، فمن المحتمل أن نرى بشكلٍ أكبر اسماً آخر في عناوين الأخبار: (جبهة فتح الشام)”.

ويصف هوفمان “جبهة فتح الشام” باعتبارها “أكثر مقدرةً حتى من (الدولة الإسلامية)، وتهديدها أكثر خطورة على المدى البعيد”.

LEAVE A REPLY