دبي (المندب نيوز) CNN
مقال بقلم خالد الشايع، داعية وباحث سعودي نتخصص في السنة النبوية والدراسات الإسلامية.
لم يزل المسلمون يعظِّمون الحج لبيت الله الحرام، ويعظمون مكة والمدينة والمشاعر المقدسة، إلا أن النظام الإيراني في طهران منذ بداية الثورة الخمينية عام 1979 بدا شغوفاً بتكدير صفو الحج على المسلمين وإثارة الشغب فيه، والسعي للإخلال بالتنظيمات الهادفة لحفظ أمن وسلامة الحجاج، وبمواجهة رجال الأمن وصرفهم عن مهامهم.
وفي موسم حج هذا العام 1437 كررت حكومة الثورة الخمينية عادتها البغيضة، وجاءت هذه المرة صريحة واضحة من طرف المرشد الأعلى للثورة الخمينية علي خامنئي فيما صدر عنه الاثنين الماضي، الموافق 5 سبتمبر/ أيلول 2016.
وأي عاقل يدرك ما تضمنه موقف مرشد الثورة الخمينية من افتراءات وأكاذيب، فإن العبرة بالوقائع والأفعال وليس بالأقوال والادعاءات، فها هما الحرمان الشريفان وما حولهما وقاصديهما يشهدان من العمارة والرعاية والخدمة ما شهد به الملايين ممن حضروا وأضعافُهم ممن شاهدوا عبر الشاشات.
ما ذنب السعودية أن يكون مرشد ثورة الخميني خامنئي لا يرفع بالحرمين رأساً ولا يرعى لهما حرمةً ولا شرفاً، وما أحسن ما قال المتنبي:
ومَن يَكُ ذا فمٍ مُرٍ مريضٍ … يجدْ مُرّاً به الماءَ الزُّلالاَ
وإذا كان الحجيج الإيرانيون قد حرمهم مرشد ثورة الخميني من الحج بمقاطعته هذا العام، فقد قاطع هو مكة فلم يزرها ولم يحج طوال سبعة وسبعين عاماً هي مدة عمره.
ينبغي أن يُنظر إلى ما صدر عن مرشد الثورة الخمينية (علي خامنئي) بشأن حج هذا العام على أنه بمثابة تهديد صريح للحجاج والتخطيط للإضرار بهم، وأنه بهذا تحت طائلة المسئولية الجنائية أمام العالم الإسلامي لأي مكيدة يدبرها، برغم التجهيزات الهائلة لسلامة الحجيج من قبل السلطات السعودية.
وإذا كان مرشد ثورة الخميني يزعم خوفه على الحجاج وعلى المشاعر المقدسة فيقال له: أبعد عملاءك عن الحرمين الشريفين وسيكونان بحفظ الله ثم رعاية حكومة المملكة العربية السعودية، التي ما فتئت تجعل العناية بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة في أول أولوياتها التي شرف بها ملوك المملكة.
ولا غرو أن يجيء النص على رعاية الحرمين في النظام الأساسي للحكم كما في المادة: الرابعة والعشرين: (تقوم الدولة بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما، وتوفر الأمن والرعاية لقاصديهما، بما يُمكِّن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة).
وعند استقراء التاريخ فإن الذين اعتدوا على الحجاج وخربوا في المشاعر المقدسة إنما هم طائفتان منتسبتان للإسلام: القرامطة، ودهاقنة الثورة الخمينية. فالقرامطة عام 317 هجريا عندما قتلوا الحجاج ورموهم في بئر زمزم، وقلعوا باب الكعبة وعرَّوها من كسوتها، واقتلعوا الحجر الأسود وسرقوه فبقي عندهم 22عاماً، حتى يسَّر الله إرجاعه عام 339 هجريا.
ثم جاء بعدهم أحفادُهم أصحاب الثورة الخمينية، فمنذ انطلاقتها جندت عملاءها الذي حضروا تحت ستار الحج والمناسك لكنهم قتلوا الحجاج وأخلُّوا بنظام وقدسية الحرمين الشريفين.
وليس هذا من كل الإيرانيين، فلم يعرف هذا الكيد من الإيرانيين إلا بعد ثورة الخميني التي عبرت صراحة عن عدائها نحو الكعبة المشرفة والسعي لإلغاء دورها – زعموا – حيث أفصحت عن هذا وثائق ومؤلفات ساسة الثورة الخمينية ، منها مثلاً كتاب: “مقولات في الاستراتيجية الوطنية” الإيرانية الفارسية لمؤلفه: د. محمد جواد لاريجاني منظر النظام الإيراني، ومما تضمنه ما سماه: “نظرية إيران أمُّ القرى” والتي فيها العداء الصريح لمكة والمدينة، والتعظيم لطهران ولمدينة “قم” لتكونا مركزاً للقيادة تحت “ولاية الفقيه” !
وهذه الأحلام الخمينية مما يأباه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها. وعندما سعى كبار علماء العالم الإسلامي لفضح توجهات الثورة الخمينية وقادتها سارعت حكومة طهران بتوجيه التهديدات الصريحة بقتلهم، كما فعلوا مع فضيلة العالم المصري الأزهري عبدالمنعم أحمد النمر وكيل الأزهر الشريف عندما فضح الخمينيين في كتابه “المؤامرة على الكعبة من القرامطة إلى الخميني”.
وينبغي أن يعلم خامنئي مرشد ثورة الخميني أن المسلمين مدركين مستبصرين، بل حتى الشيعة في العالم، يدركون أن هذه الثورة الخمينية ثورة بائسة جائرة، فلا هي بالتي أسعدت الشعب الإيراني، ولا هي بالتي سلم المسلمون في أنحاء العالم من تدخلاتها المفسدة المخربة.
فها هي دماء المسلمين في بقاع شتى دبَّر نظام طهران سفكها على مدى أكثر من 36 عاماً هي قرينة الثورة الخمينية.
وأما الألفاظ البذيئة التي صدرت عن خامنئي نحو البلاد السعودية وحكومتها وعلمائها وشعبها فما كان لها أن تصدر من شخص يتسنم القيادة، لكنها أخلاق ثورتهم؛ أبت نفوسهم إلا النطق بها، فالشجرة الملعونة معروف أهلها في حالك لياليهم، وأما الشجرة الكريمة فقد عرفت أصولها وفروعها، وأثمرت عمارة الحرمين وتأمين طرقهما وبث الخير بين الناس.
وإن الأخلاق التي تعلمناها من آبائنا وأمهاتنا وعلمائنا ونشاهدها مطبقة من حكامنا الذين نعرف كرم محتدهم وشرف أنسابهم وسمو مسالكهم، تلك الأخلاق الشريفة تفرض علينا الإعراض عن بذاءات خامنئي لسفاهتها وسفالتها.
وحاشا الآل الطيبين والأئمة الطاهرين من بيت النبي الأمين صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون من نسلهم من هذه عقيدته وأخلاقه وإجرامه في المسلمين. وينبغي ألا يغتر أحدٌ بشجرة نسب كتبت له في الحقيقة في ليلة ظلماء أو زاوية زرادشتيه قصواء.
وما أجدر من عَتَى وتكبر وصدَّ عن المسجد الحرام وسفك دماء المسلمين الأطهار بحكم الله فيه إذ قال سبحانه في كتابه العزيز: (عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) [سورة القلم/ آية 13].
وجميل قول الشاعر:
وأنتَ زَنيمٌ نِيطَ في آل هاشم … كَمَا نِيطَ خَلْفَ الرّاكِب القَدَحُ الفَرْدُ
حفظ الله حجاج بيته في حلهم وترحالهم، وأيَّد الله حكومة خادم الحرمين الشريفين. والحمد لله وحده.