المكلا (المندب نيوز) البيان
يواجه على المدى القريب التدخل التركي في ليبيا تصادماً وشيكاً مع قوى إقليمية ودولية لكن احتمالات التورط في صراع عسكري ضعيفة إذ إن هذا التصادم الذي لا تريده أنقرة وإن حصل لن يكون عسكرياً، في حين يمكن تبرير إصرار تركيا على حماية حكومة الوفاق الليبية بالرغبة التركية الجامحة في توسيع مساحة النفوذ في المغرب العربي وهو ما حفز تركيا لتطبيق مشروع وصاية ناعمة على هذه المنطقة.
وتستغل تركيا مرحلة الصراع والانقسام التي تشهدها ليبيا حالياً كأكثر فرصة مناسبة لبدء تنفيذ مخطط قديم تم إحياؤه عقب «الربيع العربي» والمتمثل في توسيع النفوذ التركي في المنطقة من خلال بوابة المغرب العربي. ويقتضي نجاح المخطط التركي الهادف لزعامة أنقرة للعالم العربي والإسلامي على المدى المتوسط، بدء تطبيق وصاية ناعمة على بعض البلدان.
وحسب إدارة رصد المخاطر في مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) فإنه على الرغم من استعراض القوة، ليس من المرجح أن تتصادم تركيا عسكرياً مع قوى إقليمية ودولية بسبب صراع النفوذ على ليبيا إذ إن دخول تركيا على خط الأزمة الليبية تبرره مصلحة اقتصادية في الدرجة الأولى. حيث تريد أنقرة كسب تعاطف ولاء صناع القرار في طرابلس من أجل تحفيز التجارة والمصالح وتعويض خسارة بنحو نصف مليار دولار جراء تراجع صادرات تركيا إلى ليبيا غير أنه لا تتضح في الأفق أي نوايا لأي تحركات عسكرية تركية جدية إذ لا يبدو أن أنقرة مستعدة لإنفاق أموال دافعي الضرائب الأتراك على صراع قد تتورط فيه لسنوات. لكن على الرغم من عدم جدية أنقرة في دخول حرب لنصرة حليف لها في ليبيا، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد يصرّ على تقديم الدعم بأشكال مختلفة لحكومة الوفاق الليبية وذلك من أجل تمهيد مرحلة زيادة النفوذ التركي في ليبيا.
وبإصرار تركيا على زيادة توسيع نفوذها من خلال دخول بوابة ليبيا عبر طرابلس ودعم «الإخوان» في حكومة الوفاق التي يترأسها فايز السراج، يضع أردوغان نصب أعينه زيادة موطئ قدم في هذه المنطقة وتحقيق أقصى المصالح الممكنة لفائدة بلاده بغض النظر عن مسار تنمية هذه الدول المصطدم بالتحالفات المضادة والخلافات التي يبدو أن تركيا تستفيد من تغذيتها لتكون الشريك التجاري والاقتصادي والعسكري التفاضلي لهذه الدول.
وتتجه تركيا في عهد أردوغان إلى الإسراع في تنفيذ مخطط قديم تم إحياؤه عقب «الربيع العربي» والمتمثل في دعم توسيع النفوذ التركي في العالم العرب والإسلامي. واعتبر المغرب العربي البوابة الرئيسية الذي تعزز النفوذ التركي من خلالها. ولعل سرعة تمرير حكومة أردوغان اتفاق التعاون الأمني مع حكومة الوفاق الليبية عقب الاتفاق البحري يشير إلى دلالة واضحة على رغبة تركية جامحة في استقطاب ليبيا.
وزادت مساحة النفوذ التركي الاقتصادي في بعض دول المغرب العربي بعد صعود أحزاب الإسلام السياسي في بعض دوله وعلى سبيل المثال يعتبر السبب الرئيسي وراء الزيادة الحادة في الصادرات التركية إلى بعض الدول العربية منذ 2011 هو أن «الربيع العربي» قد أثر سلباً على الوضع الاقتصادي للدول، وساعد على تحول في العلاقات السياسية بين تركيا وهذه الدول.
ولذلك فإن إصرار تركيا على التقارب مع ليبيا حتى وإن اقتضى إرسال قوات عسكرية من أجل الاستعراض على الأغلب، تبرره المصلحة المالية وتحقيق تفوق تجاري، ولهذا السبب تعمل السلطات التركية على زيادة فتح أبواب السوق الليبية أمام البضائع التركية. ولكن ليس هذا المبرر الوحيد لزيادة الدعم التركي للسراج و«الإخوان» في ليبيا، فتقديم الأتراك لدعم من شأنه أن يساعد على بسط نفوذ «الإخوان» واستمرارهم في السلطة يُمكّن في النهاية من تعزيز ولاء أصحاب صنع القرار في طرابلس لأنقرة.
مخطط توسعي
ورصد مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية ظهور مخطط توسيع نفوذ تركيا للعلن ليس من خلال البوابة الليبية عبر عرض الدعم الاقتصادي واللوجستي وصولاً إلى الدعم العسكري، حيث شدد أردوغان في أكثر من مناسبة على رفض سياسات عدد من الدول العربية، بينما لا يعترف هو بانتقادات الغرب الموجهة إلى حكومته بسبب قمع أكثر من 60 ألف تركي معتقل في السجون بحجة مشاركتهم في انقلاب يوليو 2016.
وبخلاف ليبيا تخطط تركيا لفرض الوصاية الناعمة على دول عربية تسعى لاستقطابها كحليفة معها في مشروع دعم مسار الحركات «الإخوانية» في السلطة، وهو نموذج يسعى أردوغان بنفسه إلى ترويجه في العالم الإسلامي والعربي.
إلغاء السيادة
أعلن ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن ليبيا باتت تحت مسؤولية تركيا، بموجب مذكرة التفاهم التي وقعها أردوغان و رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، وهذا التصريح يبرر مفهوم الوصاية الناعمة أي التدخل المرغوب في شأن الدول والتي تسعى إلى تكريسه تركيا مع حلفائها الجدد.