المكلا (المندب نيوز) العربي الجديد
تترافق الذكرى الخامسة لانتخاب الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، التي حلت، أمس الثلاثاء، مع أوضاع استثنائية تشهدها البلاد منذ سنوات. وتأتي الذكرى الخامسة فيما يتواجد الرئيس في مدينة عدن، التي يُطلق عليها، العاصمة المؤقتة، ويواجه فيها ضغوط الخلافات مع شخصيات وأطراف محلية، بعد أن أجبرته تحولات السنوات الماضية، على التنقل بين صنعاء وعدن والعاصمة السعودية الرياض.
ويوم الأحد الماضي، عاد الرئيس اليمني إلى عدن، بعد زيارة إلى السعودية استمرت أسبوعاً، في وقت كشفت مصادر سياسية يمنية مطلعة لـ”العربي الجديد”، عن أن الرئاسة كانت تحضّر منذ أسابيع لتنظيم مؤتمر يُدعى إليه مشاركون ممثلون عن مختلف القوى السياسية والاجتماعية والأحزاب المؤيدة للشرعية. وكانت الرئاسة تخطط لعقده في عدن بمناسبة الذكرى الخامسة لانتخاب الرئيس هادي، على أن يخرج بمقررات من شأنها تعزيز صف الشرعية، إلا أن المقترح، واجه معوقات على ما يبدو، بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها مدينة عدن.
صعد هادي (1945)، والذي يتحدر من محافظة أبين الجنوبية، إلى الحياة السياسية من بوابة الجيش، إذ تخرج من أكاديمية ساندهيرست العسكرية في بريطانيا عام 1966، وشغل العديد من المناصب في الشطر الجنوبي لليمن قبل توحيد البلاد 1990.
وكان هادي ضمن من نزحوا إلى صنعاء عقب الحرب الأهلية جنوباً عام 1986. وبعد حرب صيف 1994 الأهلية، عُين نائباً للرئيس اليمني، خلفاً للنائب الأسبق علي سالم البيض. واستمر هادي في منصبه حتى قيام ثورة الشباب فبراير/شباط 2011 ضد نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. بعدما تم احتواء الثورة وإطلاق مبادرة تقدمت بها دول مجلس التعاون الخليجي، كان هادي يومها من موقعه كنائب للرئيس، رجل التوافق الذي وافق الحزب الحاكم وقوى الثورة، على تسليمه السلطة لمرحلة انتقالية.
في الـ21 من فبراير 2012، شهد اليمن انتخابات رئاسية، كانت أقرب إلى استفتاء، إذ اُنتخب هادي رئيساً توافقياً بدعم مختلف القوى الموقعة على اتفاق التسوية السياسية (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية الأممية). حصل هادي على ما يزيد عن ستة ملايين صوت، ليصعد، للمرة الأولى، رئيساً جديداً لليمن، بعد عقود من حكم صالح، الذي تولى الحكم في الشطر الشمالي من اليمن عام 1978، ثم حكم اليمن الموحد، مع قيام الجمهورية اليمنية عام 1990.
الهيكلة… وإنهاء الانقسام العسكري
عقب صعوده السلطة، كان هادي أمام جملة ملفات وتحديات معقدة، وأولها إنهاء حالة الانقسام في صفوف الجيش على إثر أحداث الثورة في 2011، وما رافقها من مواجهات محدودة، بالإضافة إلى تقليم أظافر صالح ونفوذه عبر أفراد من عائلته على العديد من وحدات الجيش والأمن، ومراكز نفوذ عسكرية سياسية أخرى. وهو التحدي الذي طغى على تطورات العام الأول من حكم هادي، وأسفر عما سُمي “هيكلة الجيش”، والتي على ضوئها، أطاح هادي بنجل صالح (أحمد علي عبدالله صالح)، من قيادة قوات الحرس الجمهوري، كما أطاح بالشق الآخر من قوى النفوذ المحسوبة على الثورة، باللواء علي محسن الأحمر، منذ قيادة ما كان يُعرف بـ”الفرقة الأولى مدرع”.
العام الثاني… حوار شامل
يعتبر مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي انعقد في الفترة من 18 مارس/آذار 2013 وحتى 20 من يناير/كانون الثاني 2014، المحطة الثانية والأهم في حكم الرئيس هادي. انعقد المؤتمر بمشاركة 565 شخصاً يمثلون مختلف القوى والأحزاب بما فيها الحراك الجنوبي وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، وجرى تقسيم المشاركة على أساس 50 في المائة من المشاركين من أبناء المحافظات الجنوبية وفقاً للتقسيم الذي كان سائداً قبل توحيد البلاد (شمال – جنوب).
وخرج مؤتمر الحوار بالعديد من المقررات، أبرزها تحويل اليمن من نظام الدولة البسيطة إلى نظام الدولة الفدرالية أو الاتحادية لتكون مؤلفة من ستة أقاليم، على أن يتم استيعاب المقررات في دستور جديد، تجري الانتخابات التي تنهي المرحلة الانتقالية بعد الانتهاء من إعداده. وبذلك تم التمديد لهادي فترة إضافية إلى حين الانتهاء من إنجاز الدستور، بعد أن كان من المقرر أن تنتهي فترته الأساسية في فبراير/شباط 2014، أي بعد عامين من انتخابه.
انقلاب فاستقالة فتراجع
اتجهت الأوضاع إلى التصعيد بعد الانتهاء من مؤتمر الحوار، وتوسع الحوثيين الذين كانوا يسيطرون على محافظة صعدة أقصى شمال اليمن، باتجاه صنعاء، وتحالفوا مع صالح، الذي حاربهم في السابق والتقت أهدافه المرحلية معهم بالانقلاب على هادي وعلى حكومة الوفاق الوطني التي أنتجتها ثورة الشباب في العام 2011. وفي الـ21 من سبتمبر/أيلول 2014، اجتاح الحوثيون صنعاء بعد مواجهات محدودة مع القوات المحسوبة على الأحمر، وجرى في اليوم نفسه توقيع ما سمي “اتفاق السلم والشراكة الوطنية”، الذي كان أشبه بحالة تطبيع بين الرئاسة والقوى المشاركة بالحكومة وبين الحوثيين، الذين دخلوا العاصمة بالسلاح. ومنتصف يناير/كانون الثاني 2015، تصاعدت الخلافات بين الحوثيين وأنصار صالح من جهة، والرئيس هادي من جهة أخرى، وفرض الانقلابيون حصاراً على منزل الرئيس، ما أجبره على تقديم الاستقالة في الـ22 من يناير نفسه، ليبدو كأن عهد الرئيس هادي، الذي وضعه الانقلابيون تحت الإقامة الجبرية قد انتهى.
في الـ21 من فبراير/شباط، الذكرى الثالثة لانتخاب هادي، فاجأ الأخير المتابعين، بتمكنه من الإفلات من الإقامة الجبرية المفروضة عليه في صنعاء، ومغادرتها سراً إلى عدن، ومن الأخيرة أعلن هادي العدول عن الاستقالة، ولاقت خطوته ترحيباً إقليمياً ودولياً، وخصوصاً من قبل مجلس التعاون الخليجي.
ما بعد الانقلاب… حرب شاملة
بعد تراجع هادي عن الاستقالة وإعلانه العودة إلى السلطة من عدن، في ظل وجود سلطة انقلابية نصبها الحوثيون في صنعاء، اتجهت الأوضاع نحو مرحلة اللاعودة، إذ اجتاح الحوثيون وحلفاؤهم عدن وأجبروا الرئيس ومسؤولي الحكومة الشرعية، على مغادرتها والتوجه إلى السعودية، بالتزامن مع طلب الرئيس هادي تدخلاً عسكرياً خليجياً لحماية الشرعية، وهو ما تم الاستجابة له، بإعلان “عاصفة الحزم”، من التحالف العربي الذي ضم عشر دول، بقيادة السعودية.
عقب ذلك، دخل اليمن مرحلة الحرب الشاملة المستمرة، منذ ما يقرب من عامين، أقام هادي أغلب هذه الفترة، في السعودية، لكنه استطاع ومن خلال الدعم الإقليمي والدولي الذي يتمتع به، أن يحبط مشروع الانقلاب بالسيطرة على البلاد. وبدلاً عن ذلك، انحسرت سيطرة الانقلابيين وتكبدوا خسائر كبيرة، لتصبح قوات الشرعية على بعد عشرات الكيلومترات من العاصمة صنعاء.
في الذكرى الخامسة لانتخابه، أثبت الرئيس هادي قدرة على البقاء في أصعب الظروف، وعاد منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016، إلى مدينة عدن، واتخذ العشرات من القرارات، العام الماضي، تمكن خلالها من إجراء تغييرات واسعة في الحكومة الشرعية، ابتداءً بـالإطاحة بنائبه ورئيس الحكومة السابق، خالد بحاح الذي توسعت هوة الخلافات بينه وبين الرئيس. كما أصدر هادي سلسلة من القرارات التي رتب فيها أوضاع السلك الدبلوماسي. ورفض في الأشهر الأخيرة، مبادرة تقدمت بها الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، عُرفت بـ”خارطة الطريق”، واعتبرها هادي خطة تخدم الانقلابيين، وهي في الأصل، مقترحات قدمها وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري.
وفي الأسابيع الأخيرة، ظهر هادي في عدن أمام تحديات من نوع آخر، إذ برزت خلافاته مع القيادات العسكرية والمحلية المحسوبة على الإمارات العربية المتحدة، أكثر من أي وقت مضى. وتتمتع الإمارات بنفوذ واسع جنوب اليمن، منذ توليها واجهة عمليات التحالف العربي ضد الانقلابيين في عدن ومحيطها وما تبع ذلك، من إعادة بناء واستحداث أجهزة أمنية وعسكرية. وأجبرت الأزمة الأخيرة في عدن، هادي على زيارة إلى السعودية لمدة أسبوع قبل أن يعود يوم الأحد الماضي. ومن غير الواضح، حتى اليوم، ما إذا كانت التحديات الداخلية لهادي في عدن ومحيطها ستستمر الفترة المقبلة، أم أنها في طريقها للاحتواء.