المكلا (المندب نيوز) خاص

 

 

يعد ملف الاغتيالات السياسية التي طالت الجنوبيين ، من أشرس دورات العنف السياسي التي شهدها اليمن خلال عقدين ونيّف من الزمن، إذ شكلت العنوان البارز للحقبة السياسية الممتدة من مطلع التسعينات حتى اليوم، وهي الحقبة التي أعقبت مشروع الوحدة بين الشطرين، والتي اُغتيلت أيضاً بفعل انقضاض نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح عليها من خلال تحالفه مع القوى التقليدية الراديكالية المتأسلمة (التجمع اليمني للاصلاح) في حرب صيف العام 1994م.

فبعد فشل مشروع الوحدة لدى القيادات الجنوبية، انتهج نظام صنعاء سياسية الترهيب تجاه الجنوبيين بتنفيذ العديد من عمليات الاغتيال التي راح ضحيتها العشرات من القيادات المدنية و العسكرية الجنوبية خلال الاعوام (1992- 1993م)، وقد تجلت من تلك العمليات النوايا المبيتة لدى المؤتمر الشعبي العام وحلفائه ” الإخوان المسلمون” في اجهاض مشروع وحدة التسعينات، بدء بالتحريض ضد الجنوبيين ومرورا بمسلسل الاغتيالات الذي انتهى بشن الحرب واجتياح الجنوب بغرض السطو على مؤسساته وموارده ومقدراته.

جرائم

ولم يتوقف مسلسل اغتيال الجنوبيين بعد الحرب، بل استمر طوال الفترة التي تلتها لاقصاء الاصوات المناوئة لسياسية فرض الوحدة بالقوة التي أمعن فيها النظام في استخدام الأدوات القمعية للمسيرات و المظاهرات الشعبية المطالبة برفع الظلم عن الجنوبيين وتصحيح “مسار الوحدة” نهاية التسعينات من القرن المنصرم . وبالرغم من بطش النظام السياسي ومؤامرات حزب الاصلاح ضد الحركات الاحتجاجية في الجنوب ، لم تنكسر شوكة الجنوبيين ، إذ توجت بانطلاق ثورة شعبية عارمة العام 2007م كان ” الحراك الجنوبي” الواجهة السياسية لها.

      

الحراك الجنوبي :

 

ومنذ اندلاع الثورة الجنوبية، راح ضحية السياسية القمعية للنظام ، أكثر من 5 آلاف مواطن جنوبي ، بين مدني وعسكري، تعرضوا للتصفية الجسدية عبر تبني العديد من عمليات الاغتيال التي كانت تدار بإشراف جهاز المخابرات المدعوم من قبل ” حزب الاصلاح اليمني” المنتمي للتنظيم الدولي لـ ” الاخوان المسلمين” ، الذي دأب على قمع المظاهرات و المسيرات السلمية لشباب الحراك الجنوبي في مراحل متتالية بواسطة التحريض ضد الشباب الجنوبي واغتيالهم بالرصاص الحي تارة ، أو بتسيير دراجة الموت ” الحمراء” التي يقودها مجهولون يوزعون رصاصاتهم تجاه كوادر عسكرية في عدن و حضرموت، أو مظاهرات سلمية في الضالع ولحج و شبوة ، في مشهد دموي اجرامي ، يتحرف “صناعة الموت” لتقيد الجريمة ضد مجهول .

 

حزب الإصلاح:

 

ويعتبر حزب الإصلاح، الذي أسسه علي عبد الله صلاح عام 1990م، المسئول الأول عن تنفيذ معظم الاغتيالات التي تلت إعلان الوحدة ثم إعلان الحرب على الجنوب من ميدان السبعين بصنعاء العام 1994م، وتشير الاحصائيات الى أن حزب (الاصلاح) قام باغتيال أكثر من 150 قياديا جنوبيا خلال تلك الفترة، بالتنسيق مع جهاز الأمن السياسي التابع لصالح.

لذا فالحرب الشرسة التي يشنها حزب الإصلاح اليوم على الجنوب وشعبه وقادته مستخدما كافة الوسائل القذرة والأدوات المشبوهة ، ليست وليدة اللحظة بل هي امتداد لم ينقطع لنهج دأب عليه هذا الحزب منذ تأسيسه أو ولادته من رحم حزب المؤتمر الشعبي، وبتوجيه من رئيسه علي عفاش وهو ما اعترف به ودونه في مذكراته مؤسس الاصلاح وزعيمه القبلي عبدالله بن حسين الأحمر.

        

لينا مصطفى:

 

وفي هذا السياق، يتذكر الجنوبيون بألم، كيف دشن القيادي الاصلاحي عبدالمجيد الزنداني ،هذا المسلسل الاجرامي لحزبه ضد الجنوب، عندما اغتال في الـ 29 من يناير من العام 1992م ، الشابة الجنوبية (لينا مصطفى عبدالخالق) التي وجدت مقتولة بجوار منزل الزنداني بصنعاء ، بعد اختطافها من منزل والدها بمدينة عدن ، حيث اثبتت التحقيقات يومها أنها قد اغتيلت بمسدس (عائشة) ابنة الزنداني .

      

مشائخ الإصلاح:

 

وقبيل اندلاع الحرب الظالمة التي شنت ضد الجنوب في ابريل 1994م كان مشائخ الاصلاح وفي مقدمتهم الزنداني وعبدالوهاب الديلمي وعبدالله صعتر يطوفون البلاد، طولا وعرضا، للتحريض ضد الجنوب وحشد الجماعات الارهابية التابعة لهم والعائدة من (افغانستان) والتي عرفت حينها باسم (الأفغان العرب )، وذلك بهدف القتال ضد الجنوب، وتتويجا لتلك التعبئة جاءت فتوى الوزير الاصلاحي،عبدالوهاب الديلمي، عبر أثير إذاعة صنعاء بجواز قتال الجنوبيين على اعتبار أنهم كفرة، يجوز قتلهم، حماية للدين وحفاظا على العقيدة.

 

وحيد رشيد:

 

ومواصلة لجرائم الاصلاح في الجنوب، أقدم محافظ عدن الاصلاحي، وحيد رشيد، المعين من قبل “عفاش” في 21 فبراير 2012م بتنفيذ عمليات اغتيال واستهداف للناشطين الجنوبيين المحتجين رفضا للانتخابات بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وبمساندة مباشرة من أعضاء حزبه.

أسفرت عن سقوط عدد من الشهداء في ذلك اليوم، بينهم الشهيد، صالح متاش اليافعي، والشهيد جعبل البركاني، والشهيد مؤنس عبدالرحمن، وآخرين. وبعد عام من ذلك التاريخ وحين كان الجنوبيون يقيمون احتفالا بمرور عام على إفشال الانتخابات الرئاسية في الجنوب وجه وحيد رشيد بمعية الجنرال عبدالحافظ السقاف، قائد الأمن المركزي بعدن، حملة عسكرية أسفرت عن استشهاد 16مواطنا جنوبيا مسالما وإصابة 50 آخرين، وابتهاجا بهذه الجريمة أقام حزب الاصلاح حفلا في نفس الساحة (ساحة العروض بخورمكسر ) فرقصوا على الدماء التي لم تجف بعد .

 

التنظيمات الإرهابية:

 

وينشط حزب الاصلاح مجددا،  بالجنوب اليوم، عبر تنظيماته الارهابية التي تخرجت من الجمعيات والجامعات التابعة له وباتت تحمل مسميات (داعش، والقاعدة، وأنصار الشريعة) في مختلف محافظات الجنوب، حيث تم تنفيذ العديد من عمليات الاغتيالات أبرزها اغتيال اللواء الشهيد جعفر محمد سعد محافظ عدن، ومرافقيه، واغتيال قائد المقاومة الجنوبية بعدن، الشهيد الادريسي، ومرافقيه ، اضافة إلى عدد كبير من خيرة القضاة والقادة والضباط الجنوبيين ، ولم يسلم من تلك العمليات الاجرامية حتى رموزهم المعتدلة كالشيخ صالح حليس رئيس الدائرة القضائية لحزب الإصلاح بعدن الذي اغتيل برصاص مسلحين مجهولين في أغسطس العام 2016م، عقب تبرأه من جرائم حزبه وتجميده لنشاطه التنظيمي ، وكذا الشيخ علي سالم باوزير، الذي اغتيل مطلع 2014م في مديرية غيل باوزير بحضرموت ، على خلفية مواقفه المناوئة للتطرف و الارهاب.

 

داعش والإصلاح:

 

وكشفت التحقيقات حول العمليات التي تبنى تنفيذها تنظيم داعش الارهابي عن العلاقة الوطيدة  بين هذين التنظيمين (الاصلاح وداعش)  حيث تبين  أن غالبية منفذي العمليات الانتحارية كانوا أو ما زالوا أعضاء في تنظيم الاصلاح، ومنهم الارهابي، أحمد سيف المكني  بأبي سفيان العدني،  منفذ عملية مدرسة السنافر التي أسفرت عن استشهاد  50 شابا واصابة  120 اخرين.

إذ أكدت المعلومات  أن الإرهابي المذكور ، كان أحد أنشط أعضاء الاصلاح، وسبق أن عيَّن من قبل الحزب مدرسا لتحفيظ القران الكريم في مسجد “المناصر”  في الحي الذي يسكنه بالمنصورة حيث قام بتجنيد عدد من الشباب بـ” تنظيم داعش”.

أرقام

وبحسب الاحصائيات فقد بلغت عمليات الاغتيال في الجنوب، خلال العامين ( 2012 – 2013 م) فقط،  ما يقارب 90 جريمة اغتيال أودت بحياة كوادر أمنية وعسكرية وشخصيات أكاديمية واجتماعية وقبلية ودينية. وتعددت الطرق والأساليب التي لقي بها ضحايا الاحتجاجات والاغتيالات مصرعهم، فالشاب عمر علي بازنبور، استقرت رصاصة في رأسه، أثناء مظاهرة شعبية بمدينة المكلا نهاية العام 2013م . وفي نفس العام أصابت طلقه من سلاح “دوشكا” تابع لقوات الأمن المركزي الشاب محمد أحمد المشجري، واستقرت في رأسه أيضاً، بينما دهس طقم عسكري الشاب أحمد سلمان الهجري، وهو على متن دراجته النارية، برفقه زميلين له، ليفارق الحياة على الفور .

أما شهداء الاغتيالات من الكوادر العسكرية والأمنية، فمعظمهم لقي حتفه عن طريق إطلاق الرصاص الحي مع استخدام كاتم الصوت في أغلب الأحيان وسط شوارع المدينة من قبل أشخاص ملثمين يستقلون في الغالب دراجات نارية، كما حدث مع الضابط في جهاز الأمن السياسي العقيد عبدالله سالمين الرباكي، أو عن طريق استخدام عبوات ناسفة، كما هو الحال في عملية اغتيال اللواء الركن عمر سالم بارشيد، مدير كلية القيادة والأركان بالأكاديمية العسكرية العليا، والعقيد عبد الرحمن باشكيل، مدير البحث الجنائي بوادي حضرموت، فيما اغتيل عدد آخر من الكوادر العسكرية عبر عمليات مدبرة، كعملية اغتيال مدير أمن حضرموت العميد علي سالم العامري، الذي استشهد مع عدد من رفاقه في مديرية العبر.

 

سقوط المكلا:

 

وفي الثاني من نسيان من العام 2015م، سقطت المكلا بلمح البصر بيد القاعدة، بتواطؤ من حزب الاصلاح، حيث تزامن هجوم القاعدة على المدينة مع انسحاب مفاجئ لوحدات عسكرية موالية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح ، ما سهل على مسلحي القاعدة السيطرة على المدينة بأقل الخسائر في غضون ساعات.

وسرعان ما أعلنت شخصيات وقيادات بحزب الإصلاح تأييدها للقاعدة التي سعت فورا لخلق ذراع سياسي لها ، يتكوّن من تلك الشخصيات بهدف إيجاد غطاء مجتمعي للأعمال التنظيم بالمكلا، فتم تشكيل ما عرف بالمجلس الأهلي بهدف إحلاله بدلا من السلطة المحلية التي تم كنسها تماما بعد فرار المحافظ المحسوب على تيار الاخوان المسلمين، وأسندت الى المجلس مهام التفاوض مع الأهالي علاوة على مهام إدارية وخدماتية تتعلق بالحياة اليومية ، وعلى هذا النحو تم تقاسم السلطة بحضرموت، عن طريق تبادل الأدوار بين المجلس (الإخواني) بوصفه جهازا تشريعياً وبين (إدارة الحسبة) التي أنيطت بها مهمة تنفيذ الأحكام و تطبيق الحدود وفقا للشريعة الإسلامية كما روّج التنظيم.

LEAVE A REPLY