المكلا (المندب نيوز) العرب
صعد المجلس الانتقالي الجنوبي من لهجته تجاه حكومة معين عبدالملك، التي اتهمها بتعمد إفراغ الخزينة المالية للدولة، وإيصال الوضع إلى حافة الإفلاس. ودعا المجلس محافظي الجنوب إلى وقف تحويل إيرادات محافظاتهم إلى البنك المركزي الموجود في العاصمة المؤقتة عدن، مشيرا إلى أن هيئته السياسية ستكون في حالة انعقاد دائم، حتى إشعار آخر.
ويرى متابعون أن المجلس الانتقالي بتصعيده الجديد ضد الحكومة الحالية والذي أرفقه بإجراء عملي يتمثل في منع تحويل إيرادات المحافظات الجنوبية إلى البنك المركزي، يسعى إلى حشر باقي الطيف السياسي المكون لمجلس القيادة الرئاسي في الزاوية، بين القبول بتغيير هذه الحكومة، أو أنه سيتجه إلى إدارة الأوضاع في المناطق التي يسيطر عليها بنفسه بدون أي شراكة مع قوى شمالية، وهذا ينسجم مع تطلعاته إلى استعادة دولة الجنوب.
وتعاني المحافظات الجنوبية من وضع اقتصادي ومالي صعب، لعوامل متداخلة بعضها مرتبط بالحرب وتأثيراتها، لاسيما بعد تعطل صادرات النفط (متوقفة منذ أكتوبر الماضي)، والبعض الآخر في علاقة بالفساد المستشري وسوء إدارة الحكومة المعينة منذ العام 2020 بموجب اتفاق الرياض.
وسبق وأن دعا المجلس الانتقالي الجنوبي مرارا إلى استقالة الحكومة، لكن سرعان ما يخفت هذا الطلب بعد تدخلات من دول التحالف العربي الداعم للسلطة الشرعية في اليمن، لكن اليوم الوضع مختلف، ويبدو المجلس مصرا هذه المرة على وضع نهاية لهذه الحكومة، أو أنه سيكون في حل من أي التزام معها، ومن غير المستبعد أن تكون الخطوة التالية هو تقديم الوزراء المحسوبين عليه استقالاتهم.
وقالت هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي في بيان صدر عقب اجتماعها الدوري، إن “الوضع المعيشي المتدهور والخدمات الأساسية المتردية التي أنهكت المواطن الجنوبي في المحافظات كافة، والتي تزداد ترديا، يندرجان في سياق خطة ممنهجة تعتمدها القوى المعادية لمحاولة تركيع شعب الجنوب وإضعاف قيادته وحاضنتها الشعبية والسياسية، والنيل من عزيمة القوات المسلحة والأمن الجنوبي ليسهل عليها تمرير مخططاتها التآمرية للنيل من مكتسبات الجنوب الوطنية وتضحيات أبنائه”. وكانت الهيئة عقدت اجتماعها الثلاثاء، برئاسة اللواء أحمد سعيد بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي، رئيس الجمعية الوطنية في عدن.
وأضاف بيان الهيئة “لقد استنفدت حكومة ومنظومة الفساد ورئيسها إفراغ خزينة الدولة المالية وإيصال الوضع إلى حافة الإفلاس للمزيد من الإفقار والإجهاز على حياة الناس، بالتزامن مع التداعيات العسكرية والحشود على حدود الجنوب من قبل ميليشيات الحوثي الإرهابية والتعاون الواضح مع منظومة الإرهاب بمسمياتها المختلفة القاعدة وداعش والهجمات المستمرة على القوات الجنوبية، والتي كانت آخرها الهجوم الإرهابي على قوات دفاع شبوة”، في إشارة إلى الهجوم الذي تبناه تنظيم القاعدة واستهدف الأحد مديرية الصعيد وأدى إلى مقتل جنديين.
ولفت البيان إلى أن “كل هذه التطورات الخطيرة المتزامنة، اقتصاديا، وخدميا، وعسكريا، جاءت بعد النجاحات التي تحققت لشعب الجنوب في الحوار الوطني الجنوبي والتوقيع على الميثاق الوطني الجنوبي والإنجاز السياسي الكبير بانعقاد الدورة السادسة للجمعية الوطنية في مدينة المكلا، والزيارة التاريخية للرئيس عيدروس الزبيدي وقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي لمحافظة حضرموت”.
وقال إن “أمام هذه الأوضاع التي أنتجتها حكومة لا تشعر ورئيسها بأدنى شعور بالمسؤولية، وحيث إن هيئة رئاسة المجلس الانتقالي تنطلق من أدبيات وأسس ووثائق المجلس الانتقالي الجنوبي للتأكيد اليوم بكل وضوح وشفافية أن إدارة الجنوب من قبل أبنائه بشراكة وطنية وفق ما جاء بالميثاق الوطني، شراكة انتقلت من القول إلى الفعل وتتطلبها ظروف المرحلة الخطيرة، وأن هيئة رئاسة المجلس الانتقالي تضع اللمسات الأخيرة والآليات العملية لعمل القيادة التنفيذية الجنوبية التي تشكلت بقرار رئاسي من الرئيس عيدروس الزُبيدي، والتي بدأت تباشر مهامها بهذا الاتجاه”.
وأعلنت هيئة رئاسة الانتقالي عن دعمها لقرار محافظ العاصمة عدن أحمد حامد لملس، الذي قضى باستخدام إيرادات العاصمة عدن لتغطية متطلبات خدمات العاصمة، داعية باقي محافظي المحافظات إلى اتخاذ قرارات مماثلة في محافظات الجنوب. كما حث بيان الهيئة القوات المسلحة والأمنية الجنوبية، بمختلف تشكيلاتها، على “المزيد من اليقظة والتأهب والاستعداد التام لمواجهة التطورات المحتملة التي يحيكها أعداء الجنوب”. وقال إن هيئة الرئاسة قررت أن تظل في حالة انعقاد دائم وتوجه كل هيئات ومؤسسات المجلس الانتقالي بأن تظل في انعقاد دائم حتى إشعار آخر. ووجه محافظ عدن التابع للمجلس الانتقالي أحمد لملس الاثنين الماضي، بمنع تحويل الإيرادات التابعة للمحافظة إلى البنك المركزي.
ويرى مراقبون أن دعوة المجلس الانتقالي إلى إيقاف ضخ إيرادات محافظات الجنوب، للبنك المركزي تشكل جرس إنذار حقيقي هذه المرة لمجلس القيادة الرئاسي الذي سيكون عليه التحرك جديا باتجاه تغيير الحكومة، وأي تأخر قد تنجر عنه المزيد من الخطوات للمجلس الانتقالي الذي قد يذهب إلى حد إعلان إدارة ذاتية للمحافظات الجنوبية، من جانب واحد، وهذا الأمر قد تكون له تداعيات خطيرة في المناطق المحررة.
ويشير المراقبون إلى أن المجلس الانتقالي حريص على استعادة دولة الجنوب لكنه يتأنى في اتخاذ أي خطوة من جانب واحد قد تقود إلى وضع يصعب السيطرة عليه، لكن تمسك باقي المكونات السياسية الشريكة في السلطة باستمرار حكومة عبدالملك قد ينهي حذر المجلس. وقال مدير مركز سوث 24 للدراسات في عدن يعقوب السفياني إن الوضع الراهن يشبه الظروف التي رافقت إسقاط حكومة أحمد بن دغر في السابق وحكومة عبدالملك الأولى قبل تشكيل حكومة المناصفة، بعد وصول الانهيار الاقتصادي وتردي الخدمات في عدن والجنوب إلى الذروة.
وأشار السفياني في تصريح لـ”العرب” إلى “أن استمرار عبدالملك في قيادة الحكومة أصبح باعثا على التوتر داخل مجلس القيادة الرئاسي، مع تصاعد الرغبة بعزل الرجل داخل المجلس الانتقالي الجنوبي لاسيما مع ضم القائد عبدالرحمن المحرمي إلى رئاسة المجلس كنائب للزبيدي. وبالفعل، عرقل عبدالملك كثيراً من الإصلاحات التي حاول المحرمي الدفع بها داخل المجلس الرئاسي”.
ولفت السفياني إلى أن التطورات الأخيرة في المجلس الانتقالي الجنوبي والقفزات التي نفذها خلال مايو الماضي ساعدت على زيادة تركيز المجلس على تطبيع الأوضاع وبسط مزيد من السيطرة الإدارية في المحافظات التي يسيطر عليها عسكرياً، وهو ما يفسر التصعيد الحالي الذي ظل خامدا طيلة الفترة الماضية، رغم أن إخفاقات عبدالملك كرئيس للحكومة كانت واضحة قبل هذا بكثير.
واعتبر“أن إشارة المجلس لتفعيل القيادة التنفيذية الجنوبية التي شكلها الزبيدي الشهر الماضي هو تلويح بنسخة جديدة من الإدارة الذاتية للجنوب، وباعتقادي قد تحول خطوة إقالة الحكومة وحدوث انفراجة اقتصادية حقيقية من لجوء المجلس الانتقالي لهذه الخطوة التي قد لا تكون مواتية في ظل المناخ والمزاج السياسي الراهن”.
وبدأ الانتقالي تصعيده ضد الحكومة الحالية منذ أيام، ثم من خلال دعوة نائب رئيس المجلس الانتقالي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني أبوزرعة عبدالرحمن المحرمي إلى إقالة الحكومة مع رئيسها، بسبب فشلها في “حلحلة جميع الملفات وتدهور الأوضاع بشكل كبير وعودة انهيار العملة المتسارع”.