المكلا (المندب نيوز) العرب اللندنية
واصلت جماعة الحوثي، التي تفرض سلطة الأمر الواقع في العاصمة اليمنية صنعاء وأجزاء واسعة من اليمن، تسليط الضغوط على المملكة العربية السعودية التي أظهرت خلال الفترة الأخيرة مرونة استثنائية في التعاطي مع الجماعة وصولا إلى استقبال وفد منها في أول زيارة من نوعها إلى الرياض.
وأبقت الجماعة على خطابها السياسي المعهود تجاه السعودية محافظة على ارتفاع سقف مطالبها من المملكة.
ومع وجود وفد الحوثيين في السعودية قال القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي “كما قلنا في رؤية الحل الشامل لا يمكن أن يكون الحوار إلاّ مع تحالف العدوان باعتبار قرار العدوان والحصار وإيقافه بيده”.
وذكر في منشور على حسابه في منصة إكس “تستمر الحوارات مع السعودية كقائد للتحالف، وبين صنعاء الجمهورية وبوساطة عُمانية، للتوصل إلى حل في المواضيع التي تتم مناقشتها بالملف الإنساني والمتمثل في صرف رواتب الموظفين اليمنيين وفتح المطارات والموانئ والإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين، وخروج القوات الأجنبية وإعادة الإعمار وصولا إلى الحل السياسي الشامل”.
ويعزو مراقبون هذا التعاطي الحوثي إلى استشعار الجماعة لحاجة السعودية إلى إنجاز سلام عاجل في اليمن يسمح لها بخروج سريع وآمن من الحرب واستكمال عملية التهدئة الشاملة في المنطقة، والتي بدأتها بالفعل من خلال مصالحتها مع قطر وتركيا وإيران، فضلا عن دخولها مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وكانت السعودية أكّدت الخميس عبر وكالتها الرسمية للأنباء أنها تستضيف وفدا “من صنعاء”، في إشارة إلى الحوثيين دون تسميتهم، لمناقشة عملية السلام في اليمن بعد تسع سنوات من اندلاع الحرب في أفقر دول شبه الجزيرة العربية.
وهذه أول زيارة علنية لوفد من الحوثيين إلى المملكة منذ أن باشرت السعودية في مارس 2015 حملة عسكرية على رأس تحالف لوقف تقدم الجماعة المتحالفة مع إيران في البلد المجاور لها.
وتأتي هذه الزيارة بعد حوالي خمسة أشهر على زيارة قام بها وفد سعودي إلى صنعاء للبحث في عملية السلام.
وتؤدي سلطنة عمان دور الوسيط في النزاع. لكن الحوثيين قالوا مؤخّرا إنّ وساطة مسقط رغم صدقها لا تزال ذات تأثير محدود، الأمر الذي فهم على أنّه إمعان في الضغط على السعودية بهدف تحصيل أقصى قدر ممكن من المكاسب في عملية التفاوض معها والتي يقول مراقبون إنّها قائمة بالفعل في ظل حالة من التكتّم عليها.
ورغم حالة العداء الشديد التي كانت تظهرها السلطة اليمنية المعترف بها دوليا لجماعة الحوثي، إلاّ أنها التزمت بمسايرة الخطوات التي اتّخذتها السعودية التي وضعت تلك السلطة في صورة التغيرات الجديدة في الموقف أثناء لقاء جمع مؤخرا وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان برئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي.
ورحبت حكومة معين عبدالملك “بجهود الأشقاء في المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والمساعي الأممية والدولية الهادفة إلى دفع الميليشيات الحوثية نحو التعاطي الجاد مع دعوات السلام وتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني”.
ودوليا رحبت الولايات المتحدة بزيارة الوفد الحوثي إلى الرياض داعية في بيان صدر عن البيت الأبيض “جميع أطراف هذا النزاع إلى تعزيز وتوسيع الهدنة التي جلبت للشعب اليمني قدرا من السلام، ووضع حد لهذه الحرب في نهاية المطاف”.
وأفاد مسؤول في الحكومة اليمنية، مطّلع على فحوى المحادثات بين الحوثيين والسعودية، بأنّ الغاية من الزيارة هي “عقد جولة مفاوضات مع السعودية والتوصّل إلى اتفاق نهائي بشأن تفاصيل الملفين الإنساني والاقتصادي”.
وتابع أنّ المحادثات تتركّز على مسألة تسديد رواتب موظفي حكومة الحوثيين عن طريق السلطة الشرعية وهي نقطة شائكة، وتدشين وجهات جديدة من مطار صنعاء الذي ظلّ مغلقا لسنوات قبل أن يسمح التحالف في العام الماضي بفتح أجوائه للطائرات المتجهة إلى الأردن ومصر.
ومن جهتها أفادت مصادر سياسية في صنعاء بأنه من المتوقع كذلك أن يناقش الحوثيون مع المسؤولين السعوديين الصيغة النهائية لوقف إطلاق النار بشكل شامل ودائم على أن يباشر أطراف النزاع بعد ذلك التفاوض مباشرة للتوصل إلى حل سياسي برعاية الأمم المتحدة وبدعم من السعودية وعُمان.
وفي أبريل الماضي أنعشت زيارة الوفد السعودي إلى صنعاء، إلى جانب التقارب الأخير بين الرياض وطهران، آمال التوصل إلى حلّ سياسي للنزاع الدامي في أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية.
وتراجعت حدة القتال في اليمن بشكل ملحوظ بعد وقف إطلاق النار الذي توسّطت فيه الأمم المتحدة ودخل حيّز التنفيذ في أبريل 2022. ولا تزال هذه الهدنة سارية إلى حد كبير حتى بعد انتهاء مفاعيلها في أكتوبر 2022. لكن الأزمة الإنسانية في البلد الفقير لا تزال تتفاقم مع تراجع المساعدات الإنسانية بسبب نقص التمويل.