المكلا (المندب نيوز) الباحث الفلكي : سالم الجعيدي  

 

 

نجم البلدة، هكذا هي تسمية منازل القمر لدى أهل حضرموت، فالمنازل عبارة عن بقعة شاسعة من السماء مدى قطرها ثلاث عشرة درجة تقريبا ينزل فيها القمر في كل شهر ليلة واحدة وقد تكون نجمة أو ثلاثا أو أكثر.

أما البلدة فهي المنزلة الوحيدة التي تخلو من النجوم وتقع بين برجى (القوس) و(الجدي) أو بين منزلتي النعايم والمرزم، وقد جاء في لسان العرب الجزء الثالث (ص 95): «البلدة من منازل القمر بين سعد الذابح والمرزم، وهي خلا إلا من كواكب صغار وقيل لا نجوم فيها البتة» وفي القاموس المحيط للفيروز أبادي قال: «هي رقعة من السماء لا كوكب بها بين النعائم وسعد الذابح ينزلها القمر» أما السيد محمد بن هاشم بن طاهر في كتابه (الخريت) لشرح منظومة اليواقيت التي ألفها العلامة السيد محمد بن أحمد الشاطري (ص 114) قال: «البلدة وهي جنوبية وهي فضاء بالسماء ليس به نجم إلا واحد خفي لا يكاد يرى بالعين المجردة. فهي بقعة خالية بين النعائم وسعد الذابح».

ومعلوم لدى الجميع أن اثار ومظاهر الفصول الاربعة لا تظهر مباشرة بمجرد دخول أول يوم في الفصل الجديد، مثلما أن الثلوج في أوروبا لا تسقط مباشرة فور دخول أول يوم من فصل الشتاء وإنما يتدرج الأمر في ذلك شيئا فشيئا حتى نشعر بعد مضي أكثر من أسبوع بأجواء الفصل الجديد، ففصل الخريف بحضرموت يبدأ كما هو معلوم من أول نجمة النعايم ولكن لا نشعر تماما بأجواء الخريف وبمظاهره واثاره إلا مع حلول نجمة البلدة التي يرتبط حلولها في أذهان الناس بالعديد من المواسم والمناسبات أهمها برودة البحر بحضرموت الساحل ونضوج التمر وتسويقه بالوادي والصحراء، وغرس فسائل النخيل، وتسويق الفواكة والحمضيات، والإعداد لزراعة المشاتل للموسم الشتوي، وبداية اشتداد حركة الأمواج البحرية بخليج عدن، واعتدال وتلطيف الهواء مساء وبرودته نسبيا فجرا، كل ذلك يتزامن مع العطلة الصيفية للمدارس والمعاهد والكليات وزيارة المغتربين وأبناء المهجر لأرض الوطن.

ومن أبرز مظاهر الاحتفاء في حضرموت بنجمة البلدة الاغتسال في البحر البارد طلبا للاستجمام والترفيه والرياضة، وجريا على العادة المتبعة منذ القدم في مثل هذه المناسبة.

وتعيد بعض المراجع العلمية ظاهرة برودة البحر إلى الدورة العامة لحركة مياه المحيطات، والتي تنتقل فيها المياه السطحية ببطء نحو القطبين، بينما تتحرك المياه العميقة إلى السطح نتيجة دفع الرياح الموسمية للمياه السطحية بعيدا داخل البحر فتصعد المياه الباردة نحو الأعلى لتحل محلها، ويبلغ متوسط ذروة برودة البحر بساحل حضرموت.

LEAVE A REPLY