المكلا (المندب نيوز) خاص 

 

حرص تنظيم القاعدة ومنذ سيطرته على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت في أوائل نيسان/أبريل 2015م، على نشر أفكاره المتطرفة وأرسى قواعد منهجه منذ الوهلة الأولى حينما وطأة أقدامه مدينة المكلا، وحاول بشتى الوسائل غرس بذور التكفير والاعتقاد بأن الآخرين لا يستحقون رضا الله، وإن أفعالهم آثمة وغير مقبولة، فغرس هذه العقدة في النفوس يعتبر بداية صنع الإرهاب، وما يرافق ذلك من حماس ملتهب للأيديولوجيا التي ينتمي اليها الفرد إسلامية أو غير إسلامية, إذا لم ينضبط بضوابط الشريعة أو القانون فأنه يدفع بصاحبه إلى اتخاذ موقف متطرف.

 

الإرهاب يبحث عن مدخل :

 

حاولت القاعدة استقطاب الشباب الحضارم بشتى الوسائل والطرق… مستغلة بذلك تدني الوعي الفكري والعلمي، وعمدت في استغلال ذلك إلى توزيع الكتب والأشرطة الصوتية والمرئية التي تمجد منهجها وإقامة المهرجانات والمحاضرات والخطب في المساجد والأماكن العامة، وكما إنها استغلت البطالة أيضاُ والتي اكتوى بنارها الكثير من الشباب الخريجين و العاطلين، وحاجة الأسر الفقيرة لتمدهم بالمال والمساعدة، وتقدم لهم ما لم تقدمه جماعة أو نظام سابق.

 

تدرجت القاعدة في فرض معتقداتها المتشددة، وهي بهذا تحاول أن لا تنفر الناس من أفكارها الغريبة المتشددة، وتمتص بذلك أيضا الخوف والعقدة الموجودة أصلاً لدى الناس من القاعدة والتنظيمات الإرهابية، وما أن تمكنت واشتدت عضلاتها، حتى كشرت عن أنيابها وأبرزت مخالبها وأفصحت عن معتقداتها المتطرفة وفرماناتها الدكتاتورية التي اقتلعت كل شيء جميل فيما بعد.

 

استخدمت كذلك القاعدة الأموال المنهوبة من البنوك والمصارف والمؤسسات الحكومية التي كانت تقتحمها من حين لأخر في جذب الشباب واستقطابهم، واخصه أولئك الذين كانوا في حاجة حقيقة للمال والعمل ويعيشون ظروف معيشية واقتصادية مزرية، وكما أنها أغرت ضعفاء النفوس والمبادئ لتضمهم إلى صفها بالعطاء السخي الذي كانت تقدمه لأتباعها.

 

في السنوات التي مضت انهارت القيود، وضعفت الرقابة الأسرية، وأصبحت المنابر مفتوحة على مصراعيها لكل ناعق وناهق يمتطي ظهرها زمرة من أنصاف العلماء والمفكرين يبثون سمومهم ويشعلون حرائقهم ويروجون لأفكارهم وثقافتهم المنحرفة والمتطرفة… الأمر الذي مهد الساحة لنشؤ مثل هذه الأفكار التي جلبها التنظيم المتطرف، وكذلك أوجدت القابلية لاعتناقها لاحقا، إذا ما توفرت البيئة المناسبة.

 

المقاومة والمواجهة ..

 

كان للثقافة الحضرمية والطبيعة الحضرمية دور كبير في الأعراض عن التنظيم المتطرف، وبل ومواجهة فكره وعقيدته، فالسلام والوسطية التي يتمتع بها الحضرمي كانت بمثابة جرعة المناعة الذي حالت بينه وبين ظلمات ذلك الفكر المنحرف.

 

إن الفكر والعقيدة التي جاءت بها جحافل الإرهاب لم تكن تتناسب أبدا مع طبيعة الحضرمي، وثقافته، وادراكه الواسع والشامل لحيثيات الأمور، ولهذا لم يكن ليستصيغها، ناهيك عن أن يتخذها منها لحياته ومسلكا إلى مستقبله يقتل بها مجتمعه، ويدمر من خلالها بلاده.

 

كان الشعور السائد قبل سيطرة القاعدة على المكلا بأن القاعدة لم تكن جماعة صادقة فيما تتبناه، بل هي عبارة عن ذراع عسكري لبعض القوى السياسية تنفذ أوامرهم، ومن هذا المنطلق كان الحضارم أبعد الباعدين عن الانخراط في صفوف هذه العصابات والتحذير منها.

 

جرائم القاعدة التي لا تحصى بحق حضرموت والحضارم، كانت أحد أهم الأسباب التي نفرت الحضارم عن التنظيم الإرهابي، فالحضرمي قد عرف بحبه لوطنه، ولن يسامح أبدا من يعبث ببلاده وأمنها واستقرارها وثرواتها… ناهيك عن من دبر لمئات الاغتيالات للكوادار الحضرمية، والتي طالت حتى العلماء والمشائخ ونبشت حتى أضرحة الأموات في قبورهم.

 

نهاية الإرهابيين :

 

تشكلت قوات النخبة الحضرمية من معظم مناطق حضرموت، ومن جميع طبقاتها الاجتماعية والسياسية، والتي وضعت نهاية حقيقية لحقبة الإرهاب والغلو والعبث بحضرموت… فخاضت تلك القوة معركة خاطفة في أبريل أوائل العام الحالي، حققت فيها انتصار حقيقي على أعتى قوة إرهابية في جزيرة العرب، رغم الشكوك التي أبداها الكثير من المراقبين في كفاءتها وقدرتها على سحق التنظيم الإرهابي.

 

عقب الانتصار العظيم أصدر المحافظ أحمد سعيد بن بريك، قرار بأن تعود المساجد والمنابر لحضن الدولة، وعدم تركها لتلك الأبواق المتعطشة للدماء والمتغذية على الاحقاد والكراهية، وهكذا توالت الجهود في تتبع شراذم الأرهاب في معاقلها، وتقديمها للعداله، ومواجهة القانون، ومحاسبتها فيما اقترفته بحق البلاد والعباد.

 

الفكر الإرهابي والقضاء عليه:

 

إن القضاء على المجاميع الإرهابية لا يعني أبدا القضاء على الأرهاب، فالأرهاب فكر قبل أن يكون عملا، فمحاربته تتم عن طريق تعبئة كافة القوى الحية في البلاد من أجل محاربة منابع هذا الفكر، وهي مسؤولية الدولة والمجتمع: ونقصد بالقوى الحية في البلاد الأئمة والدعاة والعلماء والكتاب والصحافة ووسائل الأعلام وقادة الرأي، وعموما فيجب أن تتضافر جهود الجميع لإرجاع هذا الفكر إلى الوراء وأن يحل محله الفكر الواعي المتزن البعيد من الأفراط والتفريط, المتمسك بالأسلام و أصوله الثابتة المبنية على العدالة، والانصاف، والانضباط والدفاع عن الحق.

 

أما الجهاد الذي يحاول البعض عن قصد، وسوء نية أن يضفي عليه صفة الإرهاب لتشويه صورته والتخلص من اثاره، ويسعى بعض آخر عن جهل أو مغالطة إضفاء صفته على الأرهاب ليستمد منه الشرعية، ويستفيد من قدسيته… فأنه أشرف و أقدس وأوضح ضوابط من أن يلتبس بمثل هذه الأفعال، فالأرهاب والبغي والحرابة غطرسة, واعتداء وخرق للقانون وصاحبها ظالم ومعاقب شرعاً، والجهاد دفاع عن الحق وردع للظالم وإقرار للعدل، وصاحبه مأجور وفعله مشروع؛ بل هو من أعظم القربات، ومصدر عز الأمة، وذروة سنام الأسلام؛ لأنه بذل الجهد لإعلاء كلمة الله.

%d8%aa%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%b9%d8%af%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%ad%d8%b6%d8%b1%d9%85%d9%88%d8%aa

LEAVE A REPLY