ملاذ الفاقدين مقال لـ اهداء الحسني

682

 

حينها كنت في السادسة، كان صوتك يملئ المنزل مناديه باسمي ركضت مسرعة كي أكون تلك الطفلة “المثالية” التي يحبها الجميع، كنتي تبحثين عن زجاجة عطركِ أخبرتكِ أنني قد قرأت في إحدى قصصي المفضلة أن هناك شيطان يسرق منا ذواتنا، ولكن ما لا أعلمه لما عبس وجهك حينها؟ طلبتي مني أن أذهب إلى فراشي مع أنه لم يحن موعد نومي بعد

وفي الصباح فقدت دميتي التي رافقتني خلال أعوامي الستة ركضت إليك لأؤكد لكِ حقيقة قولي عن ذلك الشيطان همستِ لأبي ببضع كلمات رمقني أبي بنظرة حادة تطلب مني عدم قول المزيد، وعند عودتي من المدرسة لم أجد تلك المجموعة التي دسستها جيداً بين باقي الكتب  كنت أتحدث معك بخوف أخبرتك أن سلسة الفقد قد بدأت التفتي إلي بنظرة حانية محدثة إياي: لا تقلقي ياصغيرتي لا شيء سيحدث فقط أسترخي تلك مجموعة غبية لا تمت للواقع بصلة، وأكمل أبي :وإن حدث فأنا هنا بطلكِ المغوار، شعرت بدفيء سرى بين أوردتي استعدت لوني، أخذت نفساً عميقاً وتمتمت: حتماً غبية؛ ولكن شيء ما بداخلي لم يسترخي

وبعد عامين من ذلك الصباح اقتنعت تماماً أن أمي كانت محقه وأنها ليست سوى قصص غبية لم أكن أعلم حينها أنني سأستيقظ على صباح يحيطني باقتناعات مغايرة تماماً لهذا الاقتناع

لم أكن أعلم أن هناك فقد جديد ينتظرني ولكنه ليس أي فقد إنه أبي هذه المرة توشح منزلنا السواد جميع أقاربنا متواجدين تمامً كصباح العيد ولكن بهالة من الحزن أحاطت الجميع ،كانت خالتي تتحدث الى أحد الحضور تخبره أن والدي قد توفي بنوبة قلبية إثر بعض المشاكل التي كانت قد حدثت معه مؤخراً ،علمت منها أن والدي قد فقد وظيفته ولم يأخذ إجازة لقضاء بعض الوقت بصحبتي “كما أخبرني” واضطر لبيع سيارته لسداد بعض الديون فهو لم يأخذها إلى المعرض لتجديدها “كما أوهمني”، طوال عامين وأنا مطوقة بتلك السلسلة وأنا لا أشعر أمي لم تكن محقه! هرعت مسرعة إلى أمي عيناي تشبثت بعجناها المحمرتان من شدة البكاء تزاحمت الأحرف في فمي تناثرت من بضع كلمات عن  ذلك الشيطان أخبرتك أنه علينا أن نخبئ مفضلانا كما فعل أبطال القصة…سرت تمتمات بين الحضور كقطعة “دومينو” تعثرت فتبعتها أخواتها بتتالٍ ،لم يوقظني من ذلك عدا أمي بقبضتها على عضدي بقوة جرتني إلى غرفتي، وبختني بشدة وأجبرتني على الجلوس في الغرفة إلى حينٍ آخر، اختتمت توبيخهاـ: إن تفوهتِ بمثل تلك الجمل مجدداً سيتم أخذك إلى ذلك المبنى الذي أخذوا إليه جارنا قبل عام، أخبرتها أنني لم أتحدث إلى نفسي كما إعتاد ان يفعل.. زمجرت ستفعلين حينما تمنع الأمهات أولادهن من محادثتك.

ومنذ ذلك الوقت بقيت أراقب الفقد بصمت وهو يحيطني خوفاً من أن يتم أخذي، لم أخبرك منذ مدة عن كمية الفقد التي رافقتني طوال العشرين العام الماضية

ولكنني اليوم بحاجة كبيرة للتحدث إليكِ ولا أعلم من أين أبدأ !

فقدت الكثير من ذاتي حتى أنني أقف أمام المرآة -بمحاولة فاشلة -لترتيب ما تبقى من شتاتي “كأحجية الصور المقطوعة” اختلطت قطعها مع أحجية أخرى وتعجز عن الارتباط ببعضها ، فقدت الكثير يا سعادتي حتى أن قلمي يأبى التعرف على أحرفي وكراستي التي اعتادت الاحتفاظ بكلماتي ضاقت أسطرها ولم تعد قادرة على تحملها ،بت مبعثرة كزهرة “هندباء” هبة عليها بضع نسمات ، اصبحت واقعية جداً بعد أن كانت حدود خيالي السماء وها أنتئ ذا قد غادرتي دون أن أخبركِ أن تلك القصص لم تكن سوى واقع كان بانتظاري دائماً، تباً لها لو لم تكن بداية السلسلة لعرفت أين ستنتهي!

LEAVE A REPLY