ضرورة استئناف العملية السياسية.. لإنجاز سلام شامل

5299

المكلا ( المندب نيوز) تقرير / عبدالرحمن بن عطية 

 مع تزايد حدة النزاع الذي يعيشه اليمن منذ اندلاع الأزمة في مارس/آذار 2015 ، تزداد حاجة اليمنيين إلى سلام شامل يضمن إسكات صوت البنادق وإعلاء صوت السياسة وعودة المفاوضات التي لا تعد تنازلا بل التزاما على جميع الأطراف المتنازعة.

حسب الأمم المتحدة، يواجه اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم؛ قُتل وجُرِح على إثرها أكثر من 17,500 مدني منذ 2015، فيما يعاني أكثر من 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي. 

ولازالت الأحداث تمضي نحو منعطف مصيري قد يبدد جميع فرص السلام ويدخل البلد في واقع جديد يتسم بمزيد من التشظي والانهيار. وهو ما يضع جميع الأطراف المتنازعة والمجتمع الدولي أمام مسؤوليته لإنجاز مسار سياسي تفاوضي ينهي الصراع ويحقق السلام الذي يتعطش له اليمنيون منذ نحو سبع سنوات عجاف يابسات.

 فشل المفاوضات السابقة 

 لا يختلف اليمنيون على ضرورة وقف آلة الحرب لكنهم بدأوا يفقدون الأمل في قدرة أطراف النزاع على التوصل إلى اتفاق سلام يمهّد الطريق أمام عملية انتقال سياسي جديدة.

ويمثّل الصراع السياسي الذي يتضمن مستويات عده من الانقسام؛ بين الحكومة الشرعية والحوثيين من جهة، وبين المجلس الانتقالي وحزب التجميع اليمني للإصلاح والرئيس هادي من جهة أخرى، وبين الأحزاب السياسية التقليدية ومنظمات المجتمع المدني المقصية من المشهد وسلطات الأمر الواقع المسلحة من جهة ثالثة.

فقد مرت العملية السياسية بمخاض عسير تمثل بإجراء (7) مفاوضات واتفاقيات آلت جميعها إلى الفشل ويتعين على الجميع مراجعتها، ابتداءً باتفاق السلم والشراكة في سبتمبر/أيلول 2014 ومفاوضات جنيف1 في حزيران/يونيو 2015 وصولا إلى اتفاق ستوكهولم أواخر 2018 بين الحكومة والحوثيين، إضافة إلى “اتفاق الرياض” الأخير في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي لم ينجز كاملا حتى اللحظة.

معوقات تواجه عملية السلام 

رغم توفر الإرادة السياسية الدولية لإيجاد حل سلمي في اليمن إلا أن جهود صناعة السلام تصطدم بالكثير من المعوقات، منها ما هو ذو طابع ديناميكي: على سبيل المثال فإن حركة الدبلوماسية الدولية تجاه الأزمة اليمنية أبطأ بكثير من حركة الأحداث الميدانية على الأرض.

“جماعة الحوثي باتت مغرمة بتكرار السيناريو الأفغاني وترى أن لديها القوة اللازمة لفرض إرادتها في البلاد دون الحاجة لتقديم تنازلات” هكذا قال حسام ردمان الصحفي والباحث عن أبرز المعوقات التي تواجه العملية السياسية خلال تصريح خاص.
وأضاف، “ثمة مشاكل بنيوية تتعلق بالتناقضات البينية في المعسكر المناهض لجماعة الحوثيين والحاجة الماسة لإنجاح اتفاق الرياض بين الحكومة والمجلس الانتقالي باعتباره “تسوية انتقالية” تقود إلى التسوية الشاملة في اليمن”. 

غير أن الاحداث الجارية حاليا على الأرض تفرض على المبعوث الأممي -وجميع الجهات الدولية المساندة- التحرك بسرعة لخفض منسوب التصعيد والانطلاق في جولة تفاوضية جديدة تنتهي بوقف فوري وشامل لإطلاق النار، ومن ثم الدخول في حوار سياسي واسع.

دعوات متكررة لإنهاء النزاع

لا يتوقف المجتمع الدولي على حث أطراف النزاع في اليمن لاستغلال فرص تحقيق السلام ووقف النزيف الجارف بين اليمنيين؛ من خلال الدخول في عملية تفاوضية عاجلة بحسن نية دون شروط مسبقة.

وفي هذا الإطار تحدث المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن السيد هانس غروندبرغ، في إحاطته الأولى أمام مجلس الأمن، عن ضرورة إيجاد حل شامل في اليمن، وتلك أطروحة يراها مراقبون مبشرة إلى حد ما قد تسهم في إكمال جهود الوساطة التي تبددت فاعليتها سابقاً بين الأطراف المتنازعة. 

ويرى المحلل السياسي هشام الكاف خلال تصريح خاص “أن أهم مؤشرات الدخول في مفاوضات سياسية جديدة هو مقدار الضغط الدولي الذي يوجه ضد جميع الأطراف لوقف التصعيد العسكري بشكل فوري”. 

 مهام يرتكز عليها الحل السياسي 

عدة مهام تواجه المبعوث الأممي الجديد والأطراف اليمنية التي باتت تتملكها الرغبة والقناعة بوجوب وقف الحرب والتوجه نحو السلام وإعادة المسار السياسي إلى نصابه بصورة شمولية.

وعن تلك المهام يقول حسام ردمان “أن النسق العسكري بين الحوثيين وقوات الشرعية التي تتركز بؤرته الساخنة حالياً في محافظتي شبوة ومأرب؛ يأخذ أولية تستوجب تدخل عاجل لوقف هذا التصعيد، على غرار ما حدث في الحديدة”. 

وعن النسق السياسي الذي يعتريه الكثير من الانقسام يرجح ردمان انه “قد يستلزم على المبعوث الأممي تبني صيغة أشمل للمفاوضات السياسية القادمة تدمج القدر الأكبر من أصحاب المصلحة في السلام، على الأقل في المرحلة الثانية التي تعقب الاتفاق على وقف إطلاق النار”.

تحريك العملية السياسية

على وقع الاحتجاجات الشعبية الأخيرة التي شهدتها بعض المحافظات الجنوبية -في بداية سبتمبر الماضي- المطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي والخدمي الذي يشهد انهيارا دراماتيكيا، وينذر بانفجار اجتماعي يغذي عمليات العنف.
أصدرت رباعية من دول وهي السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا -في منتصف سبتمبر الماضي- بيانا شدد على ضرورة عودة الحكومة اليمنية لعدن، إضافة إلى التزامهم بحل سياسي شامل في اليمن.

أسفر عن تلك الدعوات عودة الحكومة اليمنية مؤخرا إلى العاصمة المؤقتة عدن -نهاية سبتمبر الماضي- وسط ترحيب وتفاؤل دولي ومحلي بأن تسهم هذه العودة في إيجاد معالجات حقيقة للأوضاع الراهنة، والتهيئة لاستئناف العملية السياسية خصوصا فيما يتعلق بإنجاز اتفاق الرياض.

ويؤكد المحلل السياسي هشام الكاف “أن أهم واجبات الحكومة في الوقت الراهن استعادة دورها التنفيذي في الجانب الإداري والاقتصادي، وتقريب المسافة بينها وبين المواطن بعد أن تشققت نتيجة لغيابها وزيادة حدة الأزمات في المناطق المحررة، وذلك من خلال حشد الدعم الدولي لإنقاذ أسعار العملة بصورة عاجلة”.

إعادة تعريف مفهوم السلام

 وللمضي قُدمًا نحو عملية سلام متعددة المسارات، يتعيّن علينا إعادة تعريف السلام الذي يريده اليمن. 
وعن إمكانية إعادة صياغة مفهوم السلام لدى الأطراف المتنازعة أشار هشام الكاف إلى ثلاث طرق رئيسية، “أولها: البدء بعملية تغليب مبدأ حسن النية من كل طرف لتوسيع دائرة المشاركة السياسية. ثانيا: القيام بإجراءات عملية إجبارية من كل طرف حتى يبرهن جدوى حسن النية التي تم الاتفاق حولها. ثالثا: توليف حزمة عقوبات ومن ضمنها الاشهار بالطرف المعرقل حتى يمكن صياغة سلام عادل يحقق صورة مستقبلية أفضل لما بعد الحرب”.

وتلخيصا لما سبق ذكره، ينبغي النظر إلى عملية السلام في اليمن من منظور المشاركة المتعددة، التي تشمل كافة شرائح المجتمع من المكونات المحلية الفاعلة وصولًا إلى القيادة السياسية الوطنية. 
وبالتالي، فإن عملية السلام متعددة المسارات هي السبيل الأمثل للمضي قُدمًا، فالتغيير يبدأ من الداخل، والعمل على الصعيد المحلي جوهري وأساسي. فمن هنا يمكن البناء والسعي للوصول إلى سلام ناجز وعادل.

LEAVE A REPLY