بن دغر و مثلث التضليل الإعلامي مقال لـ وليد التميمي

314

 

لماذا يضطر الإنسان أحياناً أو دائماً للكذب؟ سؤال ربما تصعب الإجابة عنه بدقة أو موضوعية، لأن من يبرره قد يختلق الأعذار والحجج التي تقنعه قبل الاخرين، بأن ما قام به هو الصواب وليس الخطأ، وأنه كان مرغماً على الكذب للحفاظ على مصالحه أو صون حياته. لكن الحقيقة الوحيدة التي  لا جدال فيها أنك مهما كنت ذكياً في الكذب فأن حباله تبقى قصيرة، وأن انقياد الشخص إليه مؤشر على ضعف وتهتك أخلاقي وحدوث ثقب أسود في جدار الوجدان والضمير.

 

مامن شك أنه يوجد البعض ممن يلتمسون العذر لمن يكذبون تحت ضغط الظروف المعيشية الصعبة، أو أعباء الحياة التي لا تقوى الجبال على احتمالها، لكن موقفهم من الساسة الذين يتفنون في الكذب لاستفزاز الناس أو الضحك على ذقونهم يختلف جذرياً، إلى درجة تجعلهم يصنفونهم بأنهم من أتباع أو تلامذة وزير الدعاية السياسية في الحكومة النازية أبان عهد هتلر، الدكتور، جوزيف جوبلز، الذي كان يمارس الحرب النفسية عبر الوسائل الإعلامية، واعتبر، انذاك، قائد سلاح المدفعية السيكولوجية التي كانت توجه للأتباع والخصوم معاً.

 

أحيانا نشك بأن معظم وزراء وأقطاب الحكومة الشرعية اليمنية الحالية، هم من هذا الصنف الذي أتقن ممارسة النهج الإعلامي الذي أرسى مداميكه جوبلز قبل حوالي 77 عاماً، لأنهم يؤمنون بالإعلام الكذاب، ويرددون في سرهم مقولة الوزير الإلماني الشهيرة: (أكذب ثم أكذب ثم أكذب حتى يصدقك الناس)، لاعتقادهم أن سر نجاح الكذب الإعلامي يكمن في التكرار.

 

لو أردنا أن نمنح جائزة جوبلز في تكرار الكذب لشخص في هذه الحكومة، فلربما لن نجد أجدر من رئيس الوزراء، أحمد عبيد بن دغر، يستحقها، بعد أن طبق أساليبه بحذافيرها من حيث يدري أو لا يدري، فهو مقتنع بأن «الكذبة الكبيرة» ليست صعبة على الإعلام، بل أنها الأفضل، لأن جوبلز كان يقول بأنه:(كلما كبرت الكذبة سهل تصديقها)، فكذب بن دغر أولاً كذبة كبيرة عندما أطلق لخياله العنان متحدثاً عن مؤامة الوقت «لجعل دراسة مشروع القطار ممكناً»، ثم كذب ثانية كذبة كبير عندما وعد بأن «الصيف سيكون بارداً في المناطق المحررة».

 

لم يكتف بن دغر بالأكاذيب ذات الحجم الكبير التي يصعب استساغتها بقدر ما شكلت مادة للسخرية منه ومن أنفسنا،  فأشتغل على مثلث نجاح الكذب الإعلامي عند جوبلز الذي يقوم على ثلاثة أركان: كذب «كبير الحجم»، مشروع القطار والصيف البارد، و«قليل العدد» تحرير صنعاء والبقاء في عدن لإدارة شؤون البلاد والعباد، ويعتمد على «التكرار» مواعيد صرف المرتبات ومستحقات الطلاب المالية، وكأنه أراد باعتماد سياسية هذا المثلث، إخفاء الحقيقة تحت أكوام من الأكاذيب، تماما مثلما كان الزعيم البريطاني تشرشل يردد أن (الحقيقة جوهرة ثمينة، يجب حمايتها بجيش من الأضاليل).

 

وإذا كانت الأكاذيب التي يروجها بن دغر مكشوفة للجميع، فما هي الحقيقة التي يريد إخفائها أو دفنها، موقفه من القضية الجنوبية، رفضه في أن يدير أبناء الجنوب مناطقهم بأنفسهم، قناعته بأن صنعاء لا بد أن تبقى مهيمنة على عدن، وأن الوحدة مقدسة والمساس بها من الكبائر، إيمانه بأن العام 1994 كان بمثابة التتويج لمرحلة عودة الفرع للأصل، إخلاصه لعلي عبدالله صالح، ورغبته في اشتعال النيران في الجنوب وعودة الحرائق لتندلع في عدن من جديد، إصراره مع علي محسن الأحمر على الإطاحة بهادي، أم أن الثلاثة متفقين على هدف واحد هو إفشال مشروع دولة الجنوب؟

 

بعيداً عن محاولات النبش في الصدور أو التفتيش في العقول التي تضمر لنا الشر، دعونا نتفق ولو لمرة واحدة بأنه إذا كان جوبلز قد أتقن التنوع في محتوى الخطاب الإعلامي، والتمويه على الخصوم، فأن بن دغر قد أجاد فن التلون في الخطاب الإعلامي، وخداع الأصدقاء والخصوم، مع علي عبدالله صالح  في الثورة الشبابية في 2011، إلى جانبه ضد هادي في 2015، مع الأخير ضد صالح بعد مارس في العام ذاته، والفارق الوحيد لربما بين الأستاذ جوبلز والتلميذ بن دغر، أن الأول  استطاع بالإعلام أن يعزز من قوة الدولة النازية، مرحلياً قبل انهيارها الأبدي، وأن الثاني تمكن من خلال الإعلام أن يقنع العالم بتخبط وضعف الحكومة «الشرعية»، تمهيداً لانهيارها الوشيك، وإظهار الجنوبيين بأنهم عاجزين عن إدارة صندقة، فما بالكم بدولة يجري طمس ملامحها وتمييع حدودها بأسلوب ممنهج قد يتفوق على خبث جوبلز ودهائه الكلاسيكي القديم.

LEAVE A REPLY