إن أخطر ما تمر به الثورات عموماً والشعوب التي تقع تحت ظلم الاحتلال خصوصاً هو اختيار أهداف الثورة وتلك الشعوب ممن يراعي قبول المجتمع الدولي، ومن ثم تسويقه على الشعوب وكأنه خيار وطني ومصلحة الشعب والقضية.

 

الأمر الذي يُضعف الإرادة الوطنية ويبدد الجهود والطاقات، ويجعل الخيارات خاضعة لاعتبارات لا وطنية تدخل في حسابات وصراعات إقليمية ودولية.

 

إن خيار الشعوب النابع من عقول وقلوب الناس، ويعكس مشاعرهم تجاه قضاياهم وحقوقهم خيار يمكن أن يعكس الإرادة الصادقة والقدرة الكامنة غير المحدودة للبذل والعطاء من أجل تحقيق تلك الخيارات والوصول إلى إنجاز الأهداف والغايات الوطنية.

 

وبذلك تصون الثورة مواقفها وتحمي إرادتها من الضغط والتأثير الخارجي لحسابات سياسية تخدم توجهات إقليمية ودولية.

 

لكن عندما تكون الأهداف مرسومة بالورقة والقلم والقياس الدقيق وفق ما يكون مقبولاً على دول غير منصفة وعادلة في تدخلاتها، وكذلك وفق ما يمكن أن يقبل ويوافق عليه العالم فيصبح الأمر غاية في الخطورة، ومضيعة للوقت وهدراً للطاقات وتبديداً للجهود واستنزافاً لعمر أجيال يرزحون تحت سطوة الهيمنة والاستحواذ على السلطة ويذوقون أبشع صنوف القمع والعذاب، دون ضوء يشكل أملاً في آخر النفق مع هذا المسار طالما أنه لا يعتمد إرادة الشعب ولا يستند على مخزون التضحية الكامن والمكنوز في داخل أبناء الشعب على مر الأجيال.

 

إن الثورات كانت ولا زالت سمكة في بحر الجماهير لا تستطيع البقاء والاستمرار في مسار الثورة لتحقيق الأهداف الوطنية دون هذا التمازج والالتصاق، فعندما تتخلى القيادة عن ظهيرها وعمقها وجناحها الأيمن والأيسر ولا تأمن خطوة إلى الأمام في مسارها تكون قد تخلت عن كل عناصر وشروط الانتصار وفقدت القوة والقدرة على عكس هذه الإرادة، فتصبح مثل الأوراق المتناثرة في عاصفة رملية تتراشقها الرياح دون جاذبية وتوازن.

 

بينما القيادة التي تخرج من رحم الثورة وتتقدم الصفوف من ميدان العمل والالتحام مع الجماهير وتستمر في الاتصال والتجانس معها والتعبير عن إرادتها، وتسعى بكل قوة ومثابرة وصبر وإعطاء الزمن حقه في إنضاج المرحلة والواقع، لتحقيق أهدافها والوصول إلى غاياتها في بناء منسجم ومتوافق لا يحرق المراحل ويرجح جانباً على جانب، حتى تحافظ على التفاف الجماهير وإيمانها بقدرة القيادة على تحقيق تلك الأهداف ودفع ثمن تلك المواقف وصون الدماء وتلك الجهود المبذولة والمقدمة بسخاء من الشعب على مر الأجيال.

 

إن قدر الشعب الجنوبي يكمن في مجلسه الانتقالي والسياسي الذي اتى بعد مخاض طويل من المواجهة والصراع مع قوى التخلف والجهل من أجل استعادة دولته و حقه على هذه الأرض، ولا يملك خيارات أخرى سوى الاستمرار بهذا المجلس الذي تقوده قيادات تؤمن بحق هذا الشعب وبإرادته وتستمد خياراتها منه، وهي قادرة على التعبير عن تلك الإرادات بصدق، ودفع الثمن مقابل الثبات على تلك المواقف، وتسعى لتحقيق كل ما هو مطلوب لإنجاحها دون التخلي عن حضور الشعب وصدارة دوره في المشروع..!!

LEAVE A REPLY