تريم (المندب نيوز) خاص : عبدالله مسيعد
لم تقتصر شهرة وألق مدينة تريم الغناء الواقعة شمال شرق مدينة سيئون عاصمة وحاضنة وادي حضرموت والبالغ عدد سكانها ٥٨٬٥٢٣ نسمة , على العلم والثقافة والعمارة والتاريخ والقصور والاهتمام بالموروث الشعبي فقط ، بل تعدى ذلك , إلى الصناعات المحلية و الحرف التقليدية اليدوية مستغلاً الانسان فيها البيئة المحيطة به في بعض تلك الصناعات .
ففي الوقت الراهن وإضافة لتاريخ ومجد مدينة تريم , اهتمام أهلها بالجانب الاقتصادي والصناعات المحلية التي وصلت إلى خارج الوطن حاملة شعار الجودة والاتقان بأنامل شباب من أبناء تريم , حيث تعد الصناعات المحلية و الحرف التقليدية منذ القدم التي حيث مارسه الانسان في مدينة تريم ، العديد من الصناعات مثل (صناعة الفخار والخزف والمكيفات المحلية والجير وصناعة البرادات ) التي أمتهنها عدد كبير من الناس بمختلف طوائفهم واعراقهم .
يتمتع أبناء مدينة تريم بمحافظة حضرموت بحس صناعي واقتصادي كبير ميزهم عن بقية أبناء المديريات والمحافظات الأخرى من خلال تفكيرهم العميق وكيفية الاستفادة من البيئة المحيطة بهم ومن الادوات البسيطة التي تصنع منها المعجزات.
صناعة الفخار والخزف ” التنور “
تشتهر مدينة تريم بصناعة الفخار والخزف قديماً ويعود تاريخ نشأتها منذ مئات السنين , وقد توارثها الأبناء من الاجداد , ولاتزال صناعة الحرف والخزف ومنها ” التنور ” قائمة حتى اليوم من خلال ما جمعته الصناعة من اصالة و معاصرة اتقان وقوة وجودة في العمل , ومنافستها بقوة الصناعات الأجنبية والحديثة .
يستخدم في صناعة التنور مواد يتم جلبها من البيئة المحيطة بهم وهو ما يؤكد أن الانسان بمدينة تريم أستفاد من البيئة المحيطة به في أعماله وحياته اليومية , حيث يتم جلب المادة الرئيسية وأهمها في صناعة ” التنور” والفخار والخزف من الجبال وهي ما تعرف بأسم ” طين الجبل ” .
وقال عيسى أحمد باني – في حديثة – للمندب نيوز – ” أنه يتم استخراج الطين من الجبال من خلال شق المغارات الخطيرة للحصول على الطين ذات الجودة العالية , وهو ما يعرض عمال معامل الفخار للمخاطر والإرهاق لبعد المسافة التي يقطعونها داخل المغارات وانقطاع الاكسجين بها والظلام الدامس بداخل تلك المغارات ” .
وحين تتم عملية الحصول على الطين يتم وضعها بداخل إناء خاص يضاف أليها الماء بعد عملية تفتيتها وتقطيعها قطعاً صغيرة , وتترك الطين لفترة تقدر بيوم بعد دهسها باستخدام الايادي والارجل حتى تصبح عجينة متماسكه .
وتستمر عملية صناعة التنانير بعد تحضير الطين لتضع في إطار خاص يسمى ( مفتل ) ، ثم تلف على القالب معد لهذا الغرض بشكل اسطواني , وتضاف اليها قطعة قماشية تعزل الطين على الارض و هذه مهارة لا يجيدها إلا خبير فيحصلون على شكل التنور ، بعد إعداد التنور يترك حتى يجف .
وأضاف باني – للمندب نيوز – انه بعد اتمام عملية لف التنور يتم إدخاله التنور بداخل الفرن ( الميافي ) ليحرق فيكتسب صلابة و مناعة ضد الماء و عوامل التعرية الأخرى و يصير فخارا ، وعملية الإحراق هذه تتمم بطريقة دقيقة ومحسوبة .
بعدها تتم عملية لف الفخار بالواح من الحديد ليحفظ التنار من التلف ومن عوامل التعرية وليحافظ التنار على درجة الحرارة يتم وضع مادة عازلة تحافظ على حرارة التنار لأطول فترة ممكنة , تليها علمية البيع والتصدير لمختلف المحافظات اليمنية والدولة المجاورة .
صناعة المكيفات المحلية
نظراً للظروف المناخية الصحراوية التي تمتاز بها مدن وادي حضرموت والارتفاع الشديد في درجة الحرارة بفصل الصيف خصوصاً والتي تصل إلى ( 45 – 50 ) درجة مئوية , ارتجاء سكانها مدينة تريم لتفكير بطريقة تخفف عنهم حرارة الصيف الساخن , ومنها انبثقت فكرة صناعة المكيفات الصحراوية محلية الصنع بمواد جعلة من قيمته في متناول الجميع .
وقد اشتهرت منطقة دمون بمدينة تريم بتلك الصناعة من خلال أنتشار المصانع الكبيرة التي تحتوي على نسبة مرتفعة من العمالة حيث تصل نسبة الايادي العمالة في المصنع الواحد لما يزيد عن 50 موظفاً , في ذرة العمل , وهو يؤكد دور القطاع الصناعي المحلي في إيجاد وتوفير فرص عمل للشباب .
وتحدث عبدالله محمد مدير مصنع دمون للمكيفات – للمندب نيوز – أن نسبة أنتاج المصنع بالشهر تصل نحو مائتان مكيف في أسواء الاوقات , وهي نسبة لا تغطي احتياجات السوق كاملاً خصوصاً والطلب المتزايد على المنتج من المحافظات اليمنية المجاورة , وبعض الدول الخليجية مثل عمان والمملكة العربية السعودية .
تبدأ عملية صناعة المكيفات المحلية باستيراد المواد الخام من الخارج وهي ( الواح الزنق – الشفاطات – القش – العوامات ) , تليها عملية تكوين الكيف من خلال الآت خاصة تعمل على تشكيل قاعدة وشكل المكيف الخارجي , تتبعها عملية طلاء مجسم المكيف بفرم حراري يساعد المكيف على تحمل الصدى والتكيف مع عوامل التعرية المتجددة .
بعد الانتهاء من علمية الطلاء يتم تركيب شفاط الهواء وعوّامة الماء والدائرة الكهربائية , وتركيب ابواب المكيف المضاف اليها ” القش ” ليكون بذلك المكيف جاهز للبيع والتصدير بأسعار في متناول الجميع وتتناسب مع دخل المواطن اليمني .
صناعة برادات الماء الجاهزة
ضمن سلسلة الصناعات المحلية التي تمتاز بها مدينة تريم واستمراً للحس الصناعي والاقتصادي الذي يمتاز أبناء المدينة هي صناعة برادات الماء الجاهزة التي اشتهرت مؤخراً ولاقت رواجاً واستهلاكاً كبيراً بالمحافظة والمحافظات المجاورة لما تمتاز به الصناعة من قوة ومتانة واتقان .
وقال الاخ جهاد باقرنون مالك معمل الغناء للبرادات الجاهزة – في حديثة للمندب نيوز – ان المصنع ينتج ما يقارب عن ( 25 ) برادة ماء جاهزة بالشهر , بداية بعملية صب المثال المعد خصيصاً للبرادات والمكون لقاعدة البرادة وهو مصنوع من الحديد .
تليها عملية تلبيس مجسم البرادة بالبلاط باستخدام اشكال متنوعة والوان مختلفة ، ويبرز ابداع الانسان التريمي في إبداعه الفريد في التحكم بالشكل الخارجي للبرادة بطريقة هندسية فريدة وبديعة ، تلامس واقع القصور والمعالم الاثرية بحضرموت , واضاف باقرنون – للمندب نيوز – أن نسبة العمل الذين يعملون بالمعمل تصل إلى 15 عاملاً .
صناعة الجير ” النورة “
النورة هي المادة المستخلصة من حرق الأحجار الكلسية أو ما تعرف بالجير ، وهي عبارة عن هيدروكسيد الكالسيوم يتم اعداده بعد حرق الجير في أكواخ خاصة تشتهر بتريم بأسم ” الميافي ” وهي أكواخ أسطوانية الشكل مبنية من الطين , وتتحول تلك الاحجار بعد أحراقها إلى مسحوق أبيض يستعمل في تزين المباني وطلائها من الداخل والخارج .
تبدأ عملية صناعة النورة بمدينة تريم بجمع الحجارة وهي نوع خصاص يتم انتقائه بعناية من الأودية ومجاري السيول ، وبعدها يتم تكسيرها إلى قطع مختلفة ويتم رصها بداخل فرن يشتهر بمدينة تريم بأسم ” ميافى ” بطريقة هندسية معينة لتتمكن النار من الوصول اليها والتوغل بين الاحجار حتى تستوي وتنضج .
تليها عملية حرق الجير باستخدام الحطب واغسان النخيل وجذوعها وروث الحيوانات وباقيا الاخشاب واخيراً تم استخدام زيوت السيارات في عملية الاحراق للإسراع في عملية الحريق وتقليص فترة الاحتراق التي تصل إلى يومين كاملين , من خلال تعاقب العمال على عملية الحرق ليل نهار .
وبعد التأكد من استكمال عملية الحرق للأحجار تتم عملية اطفى وتركها لمدة يوم كامل لتبرد , بعدها تتم عملية استخراج الجير من داخل الاكواخ ” الميافي ” وتحفظ في مستودعات خاصة تمنع وصول الماء أليها .
تأتي بعدها عملية رشّ الاحجار بالماء حتى تطفى، ويبدأ بعضها بالتكسر والتحوّل إلى مسحوق ، وبعدها يتم دق أو طحن وتكسير الاحجار المتبقية التي لم تتفتت، لتصبح النورة جاهزة للتعبئة والتسويق على هيئة مسحوق أبيض تستخدم في تزين المنازل من الداخل والخارج لتحافظ على المنازل من الامطار وعوامل التعرية .
ويشكي ارباب المصانع والمعامل الحرفية من قلة اهتمام الدولة والجهات المعنية لهم برغم من الدور الكبير الذي يقومون به من خلال ما يسهم فيه القطاع الصناعي المحلي في إيجاد فرص عمل للشباب ورفع معدل النمو في الاقتصاد الوطني ، ورفع مستوى الإنتاجية لتصل إلى دول الجوار.