تقرير: الجيش اليمني ومكافحة الإرهاب بوادي حضرموت…العودة إلى نقطة الصفر

476

 

المكلا(المندب نيوز)خاص

 

 

تُعد محافظة حضرموت جنوب شرق اليمن، أكبر المحافظات اليمنية من حيث المساحة، حيث تُشكل نحو (36%) من حجم البلاد البالغ مساحتها الإجمالية 555,000 كيلو متر مربع، ويقطنها نحو مليون وثلاثمائة ألف نسمة يتزايدون بنسبة تصل لـ (3.08%) سنوياً وفقاً لنتائج أخر تعداد سكاني عام شهدته البلاد في 2004م. كما تمتلك المحافظة الغنية بالثروات المعدنية، شريطاً ساحلياً مهما للغاية على بحر العرب يصلُ طوله إلى نحوي (120) كم. ولديها شريط صحراوي يربطها بالمملكة العربية السعودية، وصحراء الربع الخالي التي تطل بها على عدد من دول الخليج العربي.

 

 

كل هذا الامتيازات كانت كافية لجعل حضرموت محط أطماع الأطراف المُتصارعة في البلاد، فبدأ تشابك المصالح يفضي إلى نزاعات عن بعد يتردد صدأها على نحو غير مباشر في عمق وادي حضرموت، كل ذلك أدى بالمحصلة إلى ضعف المنظومتين الأمنية والعسكرية في الوادي وانهيارها في الساحل.

 

 

الإرهاب بوادي حضرموت

 

 

صحيح أن مدن محافظة حضرموت كانت أكثر مناطق البلاد تمتعاً بالأمن والإستقرار، لكن خلال السنوات الماضية كثيراً ما كان ذلك الاستقرار يتعرض لزلازل ناتجتن عن عمليات إرهابية كانت تحدث بين الحين والأخر خصوصاً في مدن ومناطق وادي حضرموت ومنها مدينة سيئون كبرى مدن الوادي وعاصمته، التي عمدت القاعدة في مايو 2014 إلى السيطرة عليها لساعات عدة تمكنت خلالها من نهب عدد من البنوك وإحراق عدد من المؤسسات الحكومية ومنها بنك التسليف الزراعي والمقر الرئيسي لمكتب هيئة بريد سيئون رغم التواجد الكبير لقوات الجيش في محيط المدينة.

 

 

وبعد أقل من ثلاثة أشهر من ذات العام جددت القاعدة هجومها لكن هذه المرة على مدينة القطن إحدى أهم وانشط المراكز التجارية في وادي حضرموت.

 

 وفي هذه الغزوة لم تكتفي القاعدة بنهب البنوك والمؤسسات الحكومية، بل وأعلنت المدينة إمارة إسلامية. ما دفع بالجيش إلى الإعلان عن حملة عسكرية بقيادة وزير الدفاع الأسبق محمّد ناصر أحمد لتحرير المدينة.

 

 

وفي صبيحة الأربعاء الثاني من ديسمبر2015 نشر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” صوراً قال إنها تمت في صحراء الوادي ويظهر فيها شخصين تم إعدامهما بعد أن وجه التنظيم لهما تهمة الانتماء للأجهزة الأمنية وهما ضابطين في جهاز ما بات يُعرف بالقوات الخاص “الأمن المركزي” سابقاً.

 

 

وتأتي هذه العملية عقب قيام التنظيم الأكثر تطرفاً في تنفيذ هجوما هو الأعنف من حيث الخسائر البشرية على نقطة عسكرية على مدخل مدينة شبام حضرموت التاريخية استخدمت فيها سيارتين مفخخة، ما أسفر عن مقتل 18 من أفراد الجيش و17 من مسلحي التنظيم. لتصدر قيادة المنطقة العسكرية الأولى بياناً بعد ذلك، قالت فيه أن العملية كانت تهدفوا لاقتحام مدينة سيئون.

 

 

بالإضافة إلى عشرات الهجمات والكمائن بالعبوات الناسفة التي تعرض لها أفراد الجيش بمختلف مدن ومديريات وادي حضرموت والتي طالت بعضها قائد المنطقة العسكرية الأولى اللواء عبدالرحمن الحليلي، بأكثر من سبع عمليات نجا منهن جميعاً.

 

 

 

 

كلمة السر..وادي سر

 

 

يُمكن لأي مُتابع للمشهد الأمني بوادي وصحراء حضرموت، أن يلحظ سريعاً أن كلمة السر لملف الإرهاب في حضرموت يكمن في منطقة “وادي سر” التابعة لمديرية القطن والتي لا تبعد أكثر من 40 كيلومتر غرب مدينة “سيئون” عاصمة وادي حضرموت.

 

فهذه المنطقة التي يصل عمق الوادي فيها إلى أكثر من 80 كيلو متر تُعد بمثابة المعقل الرئيسي للجماعات الإرهابية المسلحة في مناطق وادي حضرموت، وتحوي عدداً من مواقع التدريب التابعة للقاعدة وأبرزها المعسكر التدريبي في ضاحية قرية صغيرة تُسمى “سوداف” وكذلك معسكر “نخر الحاشدي”.

 

 ليشكل هذا الوادي طوال السنوات الماضية منطلقاً للجماعات المسلحة في تنفيذ عشرات الهجمات المسلحة ضد مواقع عسكرية ونقاط تفتيش، سقط فيها العشرات من أفراد الجيش ومن المدنيين أيضاً.

 

 

 

 

الخطوة الثانية

 

 

بعد أن سقطت مدينة المكلا وعاصمة المحافظة بأيدي مسلحي تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب “القاعدة” عشية الثاني من إبريل 2015 وما تلاها من “تسليم” كامل لبقية مدن ومديريات ساحل حضرموت وانهيار مؤسسات الدولة فيها بما فيها المؤسستين الأمنية والعسكرية وكافة معسكراتها على يد مسلحي التنظيم الإرهابي. كان الكثير من المراقبين يعتقدون أن الخطوة الثانية ستكون بإسقاط النصف الأخر من المحافظة وهو وادي حضرموت ليكتمل مخطط استيلاء الجماعات الإرهابية على المحافظة، وهو الاعتقاد الذي كان سائداً لدى الكثيرين من سكان المحافظة.

 

خصوصاً بعد إعلان عدد من قيادات القاعدة التي حكمت المكلا لمدة عام كامل قبل تحريرها أواخر شهر إبريل الماضي، عن إعتزامهم إسقاط مدن الوادي والسيطرة عليها. بالإضافة إلى تزايد الظهور العلني لمجاميع مسلحة على صلة بتنظيم للقاعدة، ونظيره تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في بعض مناطق الوادي خصوصاً مديرية القطن ووادي سر.

 

 

حملة عسكرية لتطهير الوادي

 

 

في الوقت الذي كانت قوات النخبة الحضرمية التابعة لقيادة المنطقة العسكرية الثانية المدعومة من قوات التحالف العربي، تستكمل عملية استعادة السيطرة على المكلا وبقية مدن الساحل وتطهيرها من عناصر القاعدة.

كان قادة الجيش في مدن وادي حضرموت بقيادة اللواء الركن عبدالرحمن الحليلي، قائد المنطقة العسكرية الأولى يجهزون وبالتنسيق مع التحالف العربي، لإطلاق حملة عسكرية ضد الجماعات المسلحة في عدد من المناطق.

 الحملة انطلقت فجر الرابع والعشرين من شهر إبريل الماضي بزحف قوات عسكرية برية للجيش تساندها غارات جوية وغطاء جوي أمنته طائرات الاباتشي التابعة لقوات التحالف العربي.

ولم تكن لتحل ساعات مساء ذلك اليوم، حتى أعلن الجيش سيطرته على الوادي ودحر مسلحي القاعدة.

بعد خمسة أيام من انطلاقة الحملة، وتحديداً في التاسع والعشرين من ذات الشهر، ظهر اللواء الحليلي في مؤتمراً صحفي وبحضور كبير لمندوبي وسائل الإعلام المحلية والخارجية، معلناً انتهاء العمليات القتالية في الوادي والسيطرة عليه، وإقامة قاعدة عسكرية للجيش فيه.  

كاشفاً عن عثورهم على مخازن للأسلحة والذخائر وصواريخ كاتيوشا، وكميات كبيرة من المتفجرات والألغام، ومعمل متكامل لصناعة وتجهيز المفخخات ومنها عدد من السيارات المفخخة الجاهزة للتفجير. والقبض على عناصر إرهابية – دون أن يُحدد عددها – بينهم من يحملون جنسيات عربية وإسلامية.

ليحظى ذلك الإعلان يومها بمباركة وإشادة نائب الرئيس اليمني الفريق على محسن الأحمر، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.


الإرهاب لم يتوقف

 

 

خلال ذلك المؤتمر الصحفي، كان قائد الجيش بوادي حضرموت اللواء الحليلي، قد أكد أن الجماعات الإرهابية تلقت ضربات قاضية من قبل من وصفهم بـ “أبطال الجيش اليمني” مُشدداً على أن المخاوف من الإرهاب قد تقلصت.

 وهو ما أكده كذلك وكيل محافظة حضرموت لشؤون مديريات الوادي الأستاذ عصام بن حبريش، والذي أشار في حديث صحفي لمندوبي عدد من وسائل الإعلام التي ألتقت به مؤخراً بمكتبه في المجمع الحكومي بمدينة سيؤن، إن الحملات العسكرية التي نفذها الجيش في المحافظة ساحلاً ووادياً أسهمت كثراً في الحد من المخاطر و التهديدات التي تمثلها تلك الجماعات الإرهابية والتي قال إنها لا تسعى إلا لخلق الفوضى وزعزعة الآمن والاستقرار.

 

لكن الواقع على الأرض لا ينطبق تماماً مع ذلك الحديث، فعمليات الإغتيالات والتصفية الجسدية لم تتوقف، بل عادت وبصورة مقلقة، مستهدفة عدداً من العاملين في المجالين الأمني والعسكري.

 

ضف إلى ذلك أن الجماعات الإرهابية، تدفقت مرة أخرى لمناطقها السابقة في “وادي سر” التي قال الجيش أنه طردها منها واستعاد السيطرة عليها. هذه العودة يؤكدها التصريح الأخير لمحافظ حضرموت اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك، والذي كشف فيه عن تنفيذ وحدة من قوات النخبة الحضرمية لما وصفها بعملية نوعية أسفرت عن اعتقال خلية إرهابية في “دواي سر” كانت تستعد لتنفيذ عدداً من الهجمات الإرهابية في مدن ومديريات وادي حضرموت.  

مُشيراً في سياق حديثه أن العملية تمت بمحاصرة الخلية الإرهابية من خلال قطع الطريق عليها براً من قبل قوات النخبة الحضرمية، فيما تكفلت قوات التحالف العربي بالإطباق عليها جواً.

 

 

هل كان النصر مُزيفاً

 

 

العملية التي أزاح محافظ حضرموت اللثام عنها، ليست الأولى من نوعها، ففي أواخر شهر يوليو الماضي كشفت مسئولون عسكريون في ساحل حضرموت أن وحدة عسكرية من قوات النخبة الحضرمية، متخصصة في مكافحة الإرهاب تم تدريبها من قبل قوات التحالف العربي، تمكنت من تنفيذ عملية نوعية أسفرت عن اعتقال واحداً من أبرز المطلوبين أمنياً على ذمة قضايا إرهابية، أثناء تلقيه العلاج في احدى المستشفيات الخاصة بمدينة سيئون التي تقع في نطاق سيطرة الجيش بوادي حضرموت. 

العمليتين وبالإضافة لعودة الاغتيالات في مناطق وادي حضرموت دفعت بالكثيرين إلى التشكيك في جدية إعلانات النصر والتطهير التي كان قد أطلقها قادة الجيش اليمني في وادي حضرموت في حربهم ضد الجماعات المسلحة. بل إن هنالك من ذهب إلى القول بوجود علاقة تعاون وتواطئ بين الجماعات الإرهابية وقوات الجيش في وادي حضرموت. 

 ومن هؤلاء القيادي البارز في المجلس التنسيقي لقوى تحرير واستقلال الجنوب بحضرموت الأستاذ علي عبدالله الكثيري، الذي أتهم الجيش بمناطق الوادي بتوفيري الحماية والرعاية لتلك الجماعات والتنظيمات وذلك بالقول ” بالنسبة لنا في قوى الثورة التحررية الجنوبية بحضرموت، فقد قلنا منذ أمد بعيد أن التنظيمات الإرهابية الوافدة إلى حضرموت هي صنيعة قوى الاحتلال اليمني، وأن جيوش الاحتلال المهيمنة على حضرموت وكافة محافظات الجنوب هي الراعية والحماية لعناصر تلك التنظيمات”.

وتعليقاً على العمليات الأمنية الأخيرة، يرى القيادي الكثيري والذي لا يجد حرجاً في استخدام مصطلح “الاحتلال” عند وصفه لقوات الجيش اليمني المتواجدة بمناطق وادي حضرموت، أنها بمثابة وقائع دامغة تؤكد بالأدلة القاطعة صدق تلك الاتهامات حين قال ” لعل العملية البطولية الناجحة التي قامت بها قوات النخبة الحضرمية في عمق وادي حضرموت ضد تجمعات العناصر الإرهابية، تمكنت من خلالها من القبض على خلية إرهابية في وادي سر كانت على وشك تنفيذ عمليات إرهابية مروعة، تُبين بوضوح ساطع حقيقة التواطؤ المكشوف لجيش الاحتلال اليمني المتسلط على وادي وصحراء حضرموت مع التنظيمات الإرهابية واوكارها المنتشرة هناك”.

وجدد القيادي في حركة الاحتجاجات الوطنية الجنوبية علي الكثيري في سياق حديثه لـ “المندب نيوز”، دعوته للرئيس عبدربه منصور هادي، ودول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة ودولة الإمارات العربية المتحدة للتجاوب السريع مع مطالب حضرموت وأهلها بإجلاء تلك القوات التي قال إنها لا تزال غاصبة لوادي وصحراء حضرموت، وتمارس البطش والتقتيل والتنكيل والنهب بحق أبناء المحافظة. مُعتبراً أن تحرير ساحل حضرموت من سيطرة تنظيم القاعدة سيظل بمثابة انتصارا ناقصا وغير مكتمل، مالم، يتم تحرير الوادي والصحراء من جيش الاحتلال اليمني وصنائعه وأدواته الإرهابية – حسب قوله.

 

LEAVE A REPLY