المكلا (المندب نيوز) عبداللاه سُميح
تدشن ميليشيا الحوثي، السبت، بداية دوراتها الصيفية السنوية، مستهدفةً مئات الآلاف من الأطفال والمراهقين اليمنيين، في مناطق سيطرتها شمالي البلاد، ببرامج تعبوية وأفكار طائفية تهدد مستقبل البلد المنهك بقرابة عقد من الصراع.
وتستغل الميليشيا عملياتها العسكرية ضد السفن المارّة بمياه البحر الأحمر وخليج عدن، ومزاعم مناصرتها للقضية الفلسطينية، في تحشيد الموارد المالية ورفع أعداد الملتحقين بمخيماتها الصيفية لهذا العام؛ بذريعة “تنمية الوعي والروح الجهادية لمواجهة أعداء الأمة”، كما زعم عبدالله الرازحي، رئيس اللجنة الفنية للدورات والأنشطة الصيفية لدى الحوثيين، في تصريح سابق.
ومنذ بدء الحرب اليمنية في 2015، يحرص الحوثيون على تنظيم هذه الدورات الصيفية السنوية التي تستهدف عقول الأطفال، وسط اتهامات دولية بأن هذه الحملات المنهجية التي تستهدف الفئات الضعيفة تسعى إلى “ضمان تمسّك السكان بأيدلوجيتهم، وتأمين الدعم المحلي للصراع”، وفق تقرير خبراء الأمم المتحدة في اليمن الصادر مطلع 2022.
برامج طائفية:
يعتقد المدير التنفيذي لـ”المركز الأمريكي للعدالة” لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، عبدالرحمن برمان، أن “الدورات الصيفية التي ينظمها الحوثيون هي بكل وضوح مراكز طائفية تعمل على التعبئة المذهبية والكراهية باستمرار؛ بهدف غسل أدمغة الأطفال وتهيئتهم لمراحل جديدة من الصراع والعنف والقتال”.
وأشار برمان، لـ”إرم نيوز”، إلى “خطورة هذه الدورات والمخيمات الصيفية على السلم والأمن الاجتماعي، ليس على الداخل اليمني وحسب، بل إن خطرها يمتد إلى الإقليم ولربما العالم بأكمله، في ظل تهديدات هذه الميليشيا للملاحة العالمية”.
وقال إن “هناك نحو 600 ألف طفل يمني يشاركون سنويًا في هذه المخيمات الصيفية؛ لدراسة منهج مذهبي عام، لكن الأخطر من ذلك أن هناك مخيمات خاصة مغلقة لا نعلم محتوى برامجها على نحو دقيق، يتم فيها أخذ الطلاب لمدة 3 أشهر، ويُمنع عليهم الاتصال بأقاربهم وأهاليهم، ويتلقون منهجا ثقافيا تحريضيا عنيفا، تحت شعار الحثّ على الجهاد، كما يتم تدريبهم على السلاح وتجهيزهم للجبهات عند الاحتياج”.
ونشر المركز الأمريكي للعدالة تقريرًا، العام الماضي، فصّل فيه محتوى مناهج الدورات الصيفية المفتوحة، والمقسّمة إلى ثلاثة مستويات، الأول والمتوسط والعالي، من خلال مؤلفات قيادات حوثية، وبما يخدم أهداف الميليشيا السياسية والعقائدية والعسكرية.
قنابل مستقبلية:
مع تزايد المخاوف من التداعيات المقبلة، شن ناشطون يمنيون على منصة “إكس”، أواخر الأسبوع الماضي، حملة باسم هاشتاغ #مراكز_الحوثي_صناعة_للإرهاب؛ للتوعية بمخاطر أنشطة الحوثيين الصيفية، وأهدافها الرامية إلى تلغيم المستقبل.
وأفاد المحلل السياسي، فؤاد مسعد، بأن “ما تفعله ميليشيا الحوثي في المخيمات السنوية هي سلسلة جرائم تضاف للجرائم اليومية التي ترتكبها، لكن خطورتها تكمن في أنها تتضمن تعبئة وتحريضا لعشرات الآلاف من الأطفال، إذ يصبحون قنابل موقوتة ضد المجتمع والبلد”.
وبيّن مسعد، لـ”إرم نيوز”، أن “الكثير من الملتحقين بهذه المخيمات باتوا يشكلون خطورة على أهاليهم بالدرجة الأولى، وكم رأينا من الأطفال الذين سارعوا لقتل آبائهم وأمهاتهم بمجرد عودتهم من المراكز الصيفية التي تمارس الشحن الطائفي والعنصري في عقول هذه الشريحة الضعيفة”، مشيرًا إلى أن “ذلك وثيق الصلة بجرائم تغيير المنهج الدراسي، سواء في التعليم العام أو التعليم الجامعي؛ ما يعني أن الشعب اليمني أمام جرائم مركبة تستهدف حياة المواطنين، كما تستهدف مؤسساتهم وأجيالهم القادمة.
وقُتل وأصيب أكثر من 11 ألف طفل يمني، منذ اندلاع الصراع المسلح، وسط حاجة 10 ملايين طفل إلى الدعم المنقذ للحياة، طبقًا لتقرير “يونيسف” الصادر في فبراير/ شباط المنصرم.
معسكرات للتجنيد:
حذّرت الحكومة اليمنية، الخميس الماضي، من فتح ميليشيا الحوثي مئات المعسكرات لتجنيد الأطفال، تحت غطاء المراكز الصيفية، بعد حملات الحشد والتعبئة التي تنفذها منذ أشهر، “مستغلة مسرحياتها في البحر الأحمر ومزاعم نصرة غزة”.
وقال وزير الإعلام والثقافة والسياحة، معمر الإرياني، في تصريح نشرته وكالة الأنباء اليمنية، إن “غالبية الأطفال المجندين في صفوف الحوثيين خلال السنوات الماضية تم استدراجهم عبر المراكز الصيفية، بعد غسل عقولهم، وتحويلهم إلى أدوات قتل وتدمير تهدد النسيج المجتمعي”.
ورأى الباحث في الشؤون الاجتماعية، صبري عفيف، أنه “رغم أن استخدام الأطفال ما دون سن الـ18 في الصراعات يعدّ في القانون الدولي من الجرائم الجسيمة، إلا أن الحوثيين يواصلون ممارسة ذلك منذ سنوات، ووصلت عمليات تفخيخ عقول وأفكار الأطفال في مناطق سيطرتهم إلى كل منزل”.
وأكد عفيف، لـ”إرم نيوز”، أن “الأطفال في اليمن أمام خطر داهم، في ظل استمرار تجييشهم وتجنيدهم وإجبارهم على القتال، يجعل من ينجو منهم من الموت عرضة للصدمات والأمراض النفسية، كالكآبة والعدوانية والشرود الذهني، بشكل يؤثر على مستقبلهم ومستقبل البلد التنموي، وهذا ما صادفته أثناء عملي مدربًا في أحد المعتقلات التأهيلية للأطفال الذين جندتهم ميليشيا الحوثي في عدن قبل سنوات؛ إذ قابلنا الكثير من الأطفال الراغبين في الانتحار”.