تقرير خاص : مدرسة تريم الدينية ،، أنموذجاً فريداً تحتاجه البشرية

1861

المكلا : (المندب نيوز) خاص 
IMG_9031-02في زمن طفت فيه قيم التطرف والغلو , وتهاوت فيه قيم الوسطية والاعتدال ,  ووقفت البشرية حائرة تنبش عن الحق في زوايا الموروث الإسلامي,  لتواجه به عاصفة التشدد والغلو الخارجة عن الميزان الرباني التي اجتاحت بعض العقول والأفكار .

ثَمَّ مدرسةٌ دينية عريقة تقّبَعُ بأقاصي الجزيرة العربية ببلاد حضرموت حيثُ الاعتدال والوسطية محلّقة منذُّ الأزل بجناحيها جابت أصقاع العالم بهدوء تسقيه من معيانها النبوي الصافي الزلال الذي لا يساوره شك أو ريب ولا                                                                   إفراط أو تفريط .

مدرسة تريم الدينية كانت إحدى أهم المدارس الدينية التي روت هذا العالم المتلهف للسلام والمحبة والتعايش , روته بأخلاقها وقيمها ,وصدّرت له رزم الإسلام الحقيقي القائم على الوسطية والاعتدال لتجذب ملاين البشر كمغناطيس إلى الإسلام بأقاصي العالم دون أن يكون هناك حروب وجيوش وأساطيل تقتحم تلك البلدان .

انتهجت مدرسة تريم الدينية الحضرمية أسس قويمة في سبيل الدعوة إلى الإسلام, عمودها الاعتدال والعلم وهذان الأساسان اللذان اجمعا عليهما الباحثون والمفكرون بأنهما أحد أهم أسباب نجاح المنهج الذي دخل بواسطته الآلاف ثم الملايين إلى دين الإسلام بغير سيف ودون قتال، ودون أية إشكالات أو صعوبات تذكر , كما أنَّ الالتحاق بالعمل بما يدعون إليه أحد أبرز ملامح دعاة هذه المدرسة  , وهذا الأساس هو الأبرز في دعوة أهل هذه المدرسة في شرق آسيا وفي شرق إفريقيا , كما أنَّ تنزيه القصد و الغرض والإخلاص لوجه الله عندما تتحول الدعوة إلى أغراض أو إلى حزبية مقيتة , هذه ملامح منهج الدعوة إلى الإسلام التي اتخذته هذه المدرسة مسلكاً ودستوراً لها, وبهذا فهي باقية ومستمرة ليومنا هذا تشِعُّ نورا .

ويعتقد الكثيرون أنَّ ما تتميز به هذه المدرسة من مزايا ثقافية ودينية, أنها تنبذُ العنف والغلو ,وتقوم على الوسطية والاعتدال, لذلك فإنَّ بإمكانها المساهمة بهذه المزايا في وضع حد لمشاكل المنطقة الفكرية ودعوات التشدد والعنف , وتستطيع أنْ تقدم لنا حلولاً منطقية في مواجهة ذلك ..

كما يمكنها المساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار لحضرموت والجنوب وكل المنطقة التي تعاني من إفرازات فكرية مستقدمة ,أفسدت الكثير من ملامح هذه البلاد الأصيلة , كما أنَّ تجاهل هذه المدرسة وما تقوم به من دور عظيم يعده الكثيرون سبباً حقيقاً في انتشار الغلو والتطرف ومظاهره المتعددة, التي انتشرت مع انحسار العلم والاعتدال في الآونة الأخيرة .

لقد امتلكت هذه الرقعة الجغرافية “ذات يوم” أول مدرسة دينية على مستوى التاريخ الإسلامي كله , طرحت أنموذجاً لا مثيل له وتطبيقاً فريداً لمفهوم الفتوحات الإسلامية للأقطار, وحين كان مفهوم الفتوحات مرتبط بالسيف والاستيلاء المسلح للأقطار, قدّمت حضرموت أنموذجاً للفتوحات الإسلامية دون سيف أو دماء وبدون الاستيلاء الدامي المصحوب بالسبايا  والآلام والأحقاد ,ولم يكن ذلك الفتح الدعوي محصوراً في رقعة واحدة بل غطّى مساحات شاسعة من شرق آسيا وإفريقيا , وكانت هذه التجربة الفريدة تحتاجها البشرية اليوم ويحتاجها الإسلام أيضاً ,المدرسة الحضرمية المعتدلة كنزٌ لم تلقَ حقها من الاهتمام والعناية , وظلّت حتى اليوم تقدم الكثير والكثير لشعوب العالم أجمع , وقدّمت مثالاً على التعايش مع الإنسانية..

شيدت العديد من المدارس والمراكز العلمية لخدمة أهداف هذه المدرسة الدينية, وأبرز تلك المعالم والمدارس (دار المصطفى للدراسات الإسلامية)، و على الرغم من حداثة هذه الدار إلا أنها أصبحت منبراً ذائع الصيت , ويوجد بها الكثير من الطلاب من جنسيات مختلفة ,وفي مقدمتها الدول العربية والإسلامية، كــ (اليمن والسعودية والإمارات وسلطنة عمان وسوريا والأردن ومصر والسودان، وفي عدد من الدول الآسيوية والإفريقية والأوروبية وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية) , وهناك عدد أو فروع من المدارس والأربطة التابعة لدار المصطفى المنتشرة في الداخل والخارج، وقد أسسها طلاب تخرجوا منها مثل الفروع الموجودة في إندونيسيا وشرق إفريقيا، وتوجد أيضاً في مدينة تريم بحضرموت دار الزهراء وهي شبيهة بدار المصطفى، ولكنها خاصة بالنساء , ومن المراكز التعليمية النظامية والحديثة كلية الشريعة وتنتمي هذه الكلية إلى (جامعة الأحقاف) , ويعدُّ رباط تريم أقدم هذه المدارس وأعرقها ، ويقع هذا الرباط في قلب مدينة تريم وافتتح في 14 محرم 1305هـ وفيه طلاب من الداخل ومن شتى البلاد الإسلامية .

توجت مدينة “تريم”التاريخية (عاصمة للثقافة الإسلامية) عام 2010م , وفقاً لإعلان المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الايسيسكو) تقديراً لدور أبنائها العلمي والثقافي والفكري والعطاءات الزاخرة لعلمائها عبر التاريخ القديم والحديث في نشر الإسلام وخدمة الثقافة الإسلامية , وصدَّر بها الكتاب التعريفي بمدينة تريم عاصمة الثقافة الإسلامية , وجاء اختيار مدينة تريم كعاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2010م، لما تمثله من مرجعية دينية وعلمية وفكرية وفنية مهمة للتاريخ الإسلامي منذ تأسيسها, وما تحتويه من منارات علمية وأربطة فكرية كان وما زال لها الدور الريادي والبارز في نشر علوم الإسلام والعلوم الدينية والفكرية على امتداد خارطة المعمورة.

جهود دولية بذلتها تريم لأجل الوسطية ولاعتدال ..

في الحادي والعشرين من ديسمبر 2010م عُقدَ المؤتمر الدولي بعنوان الوسطية الشرعية والاعتدال الواعي ( مدرسة حضرموت أنموذجاً ) والذي جمع عدداً من العلماء والدعاة والباحثين والخبراء  بين 21- 23 ديسمبر 2010م  لمناقشة دور حضرموت في نشر مفهوم الوسطية الشرعية في جميع أنحاء العالم.

وقد كان من ضمن الحضور عدد من العلماء والدعاة والخبراء والباحثين ,وفي مقدمة هؤلاء العلامة الشيخ/ محمد سعيد رمضان البوطي ضيف شرف المؤتمر ,والعلامة/ سالم بن عبد الله الشاطري مدير رباط تريم , والعلامة/ عمر بن محمد بن حفيظ , والشيخ/ أسامة السيد ممثل الشيخ علي جمعة مفتي مصر في المؤتمر ، والبروفيسور/ عبد الله باهارون رئيس جامعة الأحقاف بالمكلا, والعالم والخبير التربوي الدكتور/ إبراهيم الحارثي الأمين العام المساعد السابق لوزارة التربية والتعليم بالأردن, والدكتور/ محمد عقيل المهدلي رئيس جامعة المعارف بماليزيا ,والدكتور/ أحمد بن سميط من جامعة قابوس بعمان, والحبيب/ عمر بن حامد الجيلاني مفتي الشافعية بمكة, والعلامة علي زين العابدين الجفري مدير عام مؤسسة طابة بأبوظبي.

وقد قال البوطي إمام الجامع الأموي في دمشق بسوريا أنَّ “العالم الإسلامي يعاني من مشكلة أساسية كبرى وهي التفرق الذي يعاني منه على مختلف المستويات ، ويستدعي ذلك من المسلمين أنْ يبحثوا عن حل, وفي مثل هكذا مؤتمرات  نستطيع أنْ نوجد ذلك الحل بمعالجة العوامل الدينية ,وإذا توفر لدى المشتركين في المؤتمر الإخلاص نستطيع أنْ نضع أيدينا على المشكلة ونوجد العلاج الذي يقضي عليها .”

وقال البروفيسور عبد الحكيم مراد عميد الكلية الإسلامية بكامبردج في تصريح له “حضرموت منذُ قرون أنتجت منهجية علمية تبرز الإسلام في صورته الحقيقية كرمزاً للاعتدال والتعايش ,ويسرني أنْ أرى هذا المؤتمر يعزز هذه الرسالة الخالدة.”

وكان الهدف من المؤتمر هو تجسيد روح الوسطية الشرعية والاعتدال الواعي في السلوك الإسلامي ,وعرض مميزات مدرسة حضرموت الدعوية وتجسيدها للوسطية الشرعية والقدوة الحسنة, وإظهار الدور الريادي لمدينة تريم في الدعوة الإسلامية واستحقاقها لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية, إضافة إلى إظهار دور مدرسة حضرموت في تقوية أواصر الوحدة الاجتماعية بين المسلمين ونشر السلام في العالم.

أخيراً قال الرحالة والمستشرق الإنكليزي السيد ريتشارد فرانسيس برتون عن الحضارمة: “من المستحيل أنْ تشرق الشمس على أرض لا يوجد فيها حضرمي”, إنها جملة تعدُّ مفصلاً مهماً في حقّ العلماء الكثيرين الموجودين في أرض حضرموت، والذين أثروا المكتبة العربية بكل مؤلفاتهم، ليجعلوا منها قبلةً لقاصدي العلم والمعرفة .

 

 

 

LEAVE A REPLY