سوء التغذية يغزو الأرياف

362
د عيدروس نصر ناصر

 

 

د عيدروس نصر ناصر
د عيدروس نصر ناصر

تلقيت رسالة من الدكتور محضار محمد ناصر من أبناء رخمة مديرية رصد بمحافظة أبين وهو متخصص في المايكروبيولوجيا وينشط في الكثير من المجالات الاجتماعية والإنسانية، مرفقة بمجموعة من الصور المثيرة للهلع، تتحدث عن انتشار حالات سوء تغذية تتراوح بين الوخيم والمتوسط والخفيف، متسائلا: هل سمعت عن سوء تغذية قديما أو حديثا في يافع؟

 

 
وقال الدكتور محضار في رسالته أن هذه الحالات تشمل ما يقارب 35% وبالذات بين أبناء الطبقات الفقيرة وخصوصا الموظفين الحكوميين الذين لا دخل لديهم غير المرتب الشهري المتوقف منذ أكثر من 4 أشهر.

 
الحقيقة إنني مقتنع أن يافع ليست من أغنى المناطق لكنها تتميز بوجود مداخيل إضافية تساهم في تعديل الخلل في دخل الأفراد وبالذات الزراعة (على ما تحقق من عائد شحيح) وكذا وجود مغتربين في العديد من المناطق (وإن لم يكن لدى كل الأسر)، وهذه المداخيل الإضافية تحدث نوعا من التوازن في المداخيل، وحتى الذين لا يتحصلون على دخل من هذا النوع من الموارد فإنهم يجدون مجالات لبيع قوة عملهم وتحصيل ما يمكن أن ينفقوا منهم على أسرهم.

 
لا أتذكر (وأنا من أبناء المنطقة) إنني شاهدت حالات تشبه الصور التي زودني بها الدكتور محضار في مستوى مخيف من سوء التغذية، فحتى أيام طفولتي عندما كان عدد المغتربين أقل من أصابع اليد الواحدة في القرية أو القريتين كان أفقر الناس يجدون ما يسدون به الرمق ولم يحصل أن مات أحد جوعا، لكن الحالة التي تتحدث عنها الرسالة ليست منحصرة على منطقة رخمة، ولا مديرية رصد بل إنها لا تمثل ألا جزء ممن آفة آخذة في الانتشار في كل المناطق في الشمال والجنوب على السواء وقد رأيت صورا من الحديدة تقشعر لها الأبدان وفي ظني أن مناطق أخرى، وخاصة تلك التي معظم ساكنيها موظفون حكوميون، هي مرشحة لانتشار المجاعة إن لم تكن المجاعة قد غزتها وبدأت تنهش في دم وعظام أهلها.

 
وبعبارات أخرى لقد التهمت الحرب كل شيء في هذا البلد البائس، وفشل طرفا الحرب في تقديم أفضلياتهما ليقنعا الشعب بأهليتهما لإدارة البلد، فلا الانقلابيون تحملوا مسؤولياتهم في إدارة شؤون الناس (على الأقل في الممناطق التي يسيطرون عليها) وتوفير الحد الأدنى من متطلبات إبقاء هؤلاء الناس على قيد الحياة، ولا الشرعية نجحت في إبراز أي شكل من أشكال التفوق على الطرف الانقلابي من خلال حسن إدارة الموارد وتسخير الجزء الأكبر منها لإنقاذ الناس من خطر المجاعة وتوفير الخدمات الضرورية لحياة الناس، دعك من وعود الرفاعية والازدهار وأحلام التقدم والنهوض والتنمية التي أصبح الحديث عنها نوعا من الفانتازيا والرومانسية الخارقة للمعقول.

 

 
سيكون من السهل التوجه لكل فاعلي الخير وهم كثر داخل البلد وخارجه إلى التسارع في رفد مشاريع صناديق صغيرة لإنقاذ الناس من غول المجاعة الذي يطرق الأبواب في العديد من المناطق، لكن هذا لا يعفي السلطات الرسمية من القيام بواجبها في اتخاذ التدابير الإنقاذية العاجلة والسريعة لردع هذا الغول قبل أن ينشب مخالبه الحادة في لحوم البسطاء من كل المناطق المهددة ويفوق خطره خطر الحرب والانقلاب وكل آفات السياة التي أوصلت البلد إلى هذه الدرجة السفلى من الهوان.

د عيدروس نصر ناصر

LEAVE A REPLY