تعز (المندب نيوز) خاص

 

باتتْ «الرَّايَاتُ السُّودُ» المنتشرة بكثافة في الأحياء المدمرة، علامة مميزة لكثير من مناطق محافظة «تـعـز» خاصة، تلك الخاضعة للمقاومة التابعة لـ «الجناح العسكري» لـحزب «التجمع اليمني للإصلاح» إخوان اليمن.

مسلحون يتنكـرون بالزي الشعبي «الأفغاني» وينتشرون في أنحاء المدينة على متن سيارات رباعية الدفع، فارضين السيطرة الكاملة على مدينة «تـعـز» التي لم تكن لتتأتى إلا بالدعم المباشر والملحوظ من لدن قادة بارزين فيما يسمى بــ «مقاومة تعز» بينهم الشيخ القبلي والقيادي الإخواني «حمود المخلافي» المقيم بتركيا، والقائد العسكري الإخواني «صادق سرحان» و شقيقهِ «عبدالواحد سرحان» .

مشهد قد يبدو «غرائبياً» وصادما بالنسبة للمٌغيبين عن حقيقة الوضع الراهن بمحافظة « تعز» اليمنية، بيد أنه يختزل الكثير من «سرديِّة» الأحداث والوقائع المحاطة بسحابة من الغموض لحجب الكشف عن «سرِّ معبد» الإخوان بـ «تـعـز» .

 

الوضع الأمني

 

تشهد محافظة « تعز» انفلاتاً أمنياً واسع النطاق أدى إلى ارتفاع معدلات الجريمة والفوضى والتقطُّع علاوة على تزايد أعمال القتل وعمليات الاغتيال، التي تنفذ بواسطة الأدوات المتعارف على استخدامها، من قبل عناصر «القاعدة» بشكل مستمر وبصورة شبه يومية. سيما في ظل استمرار الصراع الداخلي بين فصائل المقاومة الذي تعمل على تأجيجه و إذكائه قيادات « إصلاحية» تسعى إلى إشعال نار الفتنة و إثارة الصراعات و المواجهات بين الأطراف التي تقاوم مليشيات الحوثيين والمخلوع صالح.

 

اغتيالات

 

وبلغت عمليات الاغتيال بــ «تـعـز» ذروتها، مؤخرا، حيث شهدت المحافظة أواخر مارس 2017م عدداً من عمليات الاغتيال بالإضافة إلى أعمال التقطع والنهب والسرقات التي طالت منازل المواطنين ومحالهم التجارية.

ففي مساء الجمعة 31 مارس، اُغتيل شخصان من أفراد «المقاومة الشعبية» في مدينة تعز، برصاص مسلحين كانا يستقلان دراجة نارية. وقتل «نور الدين محمود البعداني» و «خالد علي الكوكباني» في سوق «الأشبط » القريب من مبنى محافظة تعز. وفي التفاصيل أن القتيلين يتبعان القيادي في حزب الإصلاح، «يحيى الريمي» الذي يسيطر بمسلحيه على عدد من الأحياء وسط مدينة تعز.

وفي سياق متصل، اُغتيل في مدينة تعز أحد أفراد «المقاومة الشعبية» في جبهة الأربعين، برصاص مسلحين كانا يستقلان دراجة نارية. القتيل الذي اغتيل في حي الروضة أمام فندق سبأ يدعى « زعيم عبد الله هزبر الشرعبي » . كما أقدمت، عناصر مسلحة على تفجير ضريح أحد أئمة الصوفية في تعز .وبحسب مصادر محلية فإنه تم تفجير ضريح السيّد «علي إبن أحمد الرميمة» في مديرية «مشرعة وحدنان».

وفي 27 من مارس، لقي الطفلان «علي طه محمد احمد» و « سليمان بشير غالب» (10 سنوات) مصرعهما في حيِّ «صِينَة» في أحدث جريمة قتل بشعة تشهدها المدينة التي تعيش انفلاتا أمنيا غير مسبوق . و أفادت مصادر محلية بالمنطقة، أن أربعة مسلحين ملثمين يستقلون دراجة نارية أطلقوا وابلا من النيران بشكل عشوائي على أطفال كانوا يلعبون بالحيِّ ما أدى الى مصرع الطفلين على الفور .

وفي 24 من مارس، اُغتيل القيادي في «كتائب أبي العباس» السلفية «عبد الله سعيد الشرعبي» في مدينة «تـعـز» على يد مسلحين اعترضوا طريقه في منطقة «الأٌجينات» وأطلقوا عليه وابلاً من الرصاص فأردوهُ قتيلاً على الفور. في حين توفي، مؤخرا، قيادي آخر في « كتائب أبي العباس» يدعى «طه الكامل» متأثرا بجراحه الناتجة عن إصابة بالغة برصاص مسلحين مجهولين حاولوا اغتياله في حيِّ «الجَحْمَليَّة».

وتُعد هذه الحادثة الجريمة الثالثة التي ترتكب بالمنطقة خلال أقل من 24 ساعة، حيث سبقها ظهر الجمعة، اقتحام مسلحين لمستشفى «الثورة» واغتيال الجريح الشاب « إسحاق الزُريقي» الذي كان يخضع للعلاج في المستشفى.

وبهذا الصدد، قال الناشط « وجدي السالمي» أن اغتيال «الزُريقي» جاء على خلفية علاقته بعملية اغتيال «مهران المقطري» الملقب بــ « السلطان» منتصف مارس 2017م في منطقة «القُـريشيَّة» جنوب «تـعـز».

من جهة أخرى، قال الصحفي « محمد سعيد الشرعبي» : ” إن عصابة مسلحة اغتالت أحد نزلاء المستشفى، دون أن تحرك الجهات المعنية ساكناً، ومن المؤكد لن يحاسب أحد”. وأضاف «الشرعبي» : ” تنشط المافيا في نهب أي دعم يصل إلى تعز، وهدفهم منذ عام إغلاق و تعطيل مستشفى الثورة كونه أكبر منشأة طبية حكومية موثوقة لدى المنظمات الدولية العاملة في اليمن”.

 

 

«كتائبُ أبي العباس»

 

 

وكانت «كتائب أبي العباس» قد أعلنت في وقت سابق، العثور على جثة أحد عناصرها وهو الجندي المخطوف « علي محمد سيف» مذبوحا في حين تم العثور على سيارته مغيَّرة اللَّون.

وتصاعدت حدّة الاغتيالات في المناطق الخاضعة لسيطرة « مقاومة تعز» إثر اغتيال مسلحين أحد أفراد «كتائب حسم» التي يقوها «عدنان رُزيق الشبواني» المقرّب من «حزب الإصلاح» في 25 مارس 2017.

ويمثل تكتل الإخوان بـ «تـعـز» بمختلف تحالفاتهم طرفا قويا من أطراف الصراع، لا يقبل بتقاسم القوة والنفوذ مع أي من الشركاء، و لا يؤمن بمشروع مؤسسة «الجيش الوطني» المُحايد.

وبالمقابل، تمثل «كتائبُ أبي العباس» السلفيَّة بالطرف الآخر تكتلاً مناوئاً لتوجهات «الإخوان» بالمحافظة، إذ يعتقد كثيرون، أن ظهور الجماعة ساهم بشكل كبير في تقليص هيمنة «الإخوان» على مفاصل القوة، وأعاق نسبيا فرض سلطة الأمر الواقع في مدينة «تـعـز» .

وبحسب مراقبين، يعد هذا الأمر أحد أبرز أسباب الصراع الدائر بالمحافظة، والذي حدا بـ «الإخوان» إلى اللجوء لتنفيذ عمليات اغتيالات استهدفت قيادات وأفراد «كتائب أبي العباس».

 

 

تبادل الاتهامات

 

 

وفي الأثناء، تتبادل أطراف الصراع بـ «تـعـز» الاتهامات حول ما وصلت إليه المدينة من وضع مزرٍ، على المستوى الأمني، والذي سمح بانتشار الجماعات الإرهابية وجماعات مليشيات الحوثيين والمخلوع صالح، في ظل تخلي حزب «الإصلاح» عن مسؤولياته تجاه مدينة «تـعـز» الذي تُعدُّ معقلهُ الرئيسي وعمقهُ الاستراتيجي، بالرغم من الدعم اللامحدود الذي حظي به مجلس المقاومة التابع له.

وتتهم فصائل في مقاومة «تـعـز» حزب «الإصلاح» وعناصره بتنفيذ عمليات اغتيال استهدفت أفرادَ وقياداتِ « كتائب أبي العباس» بتهمة التعامل مع دولة الإمارات، في الوقت الذي ترتكب معظم الجرائم والحوادث الأمنية بالمربع الخاضع لسيطرة «الإصلاح» ما يضع علامات استفهام عديدة حول مجريات الاحداث بهذا النطاق الجغرافي.

وفي خط موازٍ، أشار محللون سياسيون إلى أن الأحداث التي تعصف بمحافظة « تعز» تجعل مصير المحافظة مفتوحاً على كل الاحتمالات، بالرغم من تأكيد التحالف العربي ضخ أموال وأسلحة كبيرة إلى المقاومة بشكل دائم، الأمر الذي يكشف الفشل الذريع لمجلس المقاومة في إنجاز تحرير المحافظة من مليشيات الحوثيين والمخلوع الإجرامية، أو على الأقل تأمين المناطق والمربعات الخاضعة لسيطرة حزب «الإصلاح».

 

غطاء سياسي

ويعمل حزب « التجمع اليمني للإصلاح» بطريقة غير مباشرة، على توفير الغطاء السياسي للجماعات الارهابية بمدينة «تـعـز» علاوة على الدعم الإعلامي واللوجستي اللازم لإدارة منظومة «الإرهاب» عبر تنشيط خلاياه المتطرفة المنتمية لجماعات «صناعة الموت» التي وإن تعددت مسمياتها إلا أنها خرجت من عباءة واحدة، هي عباءة « الإصلاح» التي عملت لسنوات على إنتاج أدوات هذه المرحلة ، بدءاً من « القاعدة» و انتهاء بـ «أنصار الشريعة » و «داعش».

 

 

و في ظل ما يوفره « إخوان اليمن» من غطاء سياسي للقاعدة، فإنه لم يُعْـلَـن رسميا، حتى الآن، سقوط تعز في قبضتها، بيد أن المؤشرات والممارسات على الأرض تشير إلى السيطرة المطلقة لعناصر التنظيم على مفاصل ومؤسسات الدولة، حيث تمارس « قاعدةُ تعز» نشاطها اليومي في إدارة المدينة بأريحية مطلقة، إذ تتدخل في إدارة كافة شؤون المجتمع، حتى وصل بها الحال إلى مصادرة حرية الرأي والتعبير على من يخالفها.

وفي هذا السياق، تلقى القيادي الناصري « جميل الصامت» مؤخرا، أمرا بالحضور من قبل القيادي في تنظيم القاعدة المكنى بـ « أبي البراء» على خلفية كتابتهِ لمقال رأي . وحين لم يحضر « الصامت» تم اختطافه من قبل عناصر التنظيم ليوم كامل، ويُعدُّ « أبو البراء» أحد أبرز قيادات تنظيم « القاعدة» الهاربين من مدينة « المكلا» بمحافظة حضرموت إبّان عملية تحريرها من قبضة التنظيم (21 ابريل 2016م) حيث كان يشغل وظيفة القاضي الشرعي للتنظيم بالمكلا منذ سقوطها في 2 من ابريل 2015م.

 

 

محاكم إسلامية

 

 

و عملت قاعدة «تعز» مؤخرا على تخصيص «محاكم إسلامية» تابعة لها، بالمناطق المحررة التي يفترض تبعيها للحكومة الشرعية، في خطوة مماثلة لنفس التجربة في نسختها الصومالية ، وذلك بغرض فرض هيمنة مجتمعية أكبر عبر تكريس سياسية « الترهيب».

فبات لدى «قاعدة تعز» محاكمها التي لا تعترف بالقوانين الوطنية لـ «الدولة الغائبة» وسجونها التي تعج بمئات السجناء من المعارضين لها، وإضافة الى ذلك فإن لديها أوراق ومراسلات ومعاملات رسمية واختامٌ خاصة بها، تمارس بواسطتها مهام ووظائف الدولة كاملة بأريحية مطلقة، دون اعتراض من أحد .

وبالرغم من ادعاء تنظيم «إخوان اليمن» موالاته واعترافه بالحكومة الشرعية، إلا أنه لا يتوانى أو يتردد عن تعطيل حضورها في حياة المدينة من خلال دعمه لتعزيز سلطة «القاعدة» فالمراسلات التي تحمل اسم ( تنظيم القاعدة ، أنصار الشريعة ، ولاية تعز) هي المراسلات المعترف بها في المناطق المحررة من «تعز».

وكان اللافت، انخراط معظم عناصر «الإخوان» بحماس في دعم استراتيجية تمكين «القاعدة» من بسط سيطرتها على المدينة المحاصرة منذ أكثر من عامين.

 

 

«ولاية تعز»

 

 

وفي سياق متصل ، كشف صحفي يمني من محافظة تعز، عن استعداد جماعتي القاعدة وداعش الارهابيتين، لإعلان المحافظة «ولاية» تابعة لهما.

وقال الصحفي اليمني، «محمد سعيد الشرعبي» “إن دولة الخلافة الإسلامية تبدأ بالانفلات، وتصفية الخصوم، وطرد السكان والتجار والمنظمات الدولية، ونهب الأملاك العامة والخاصة، وتغييب مؤسسات الدولة، وهذا ما يحدث في تعز بشكل مكشوف.” مضيفاً بأنه لا يستغرب من إعلان دولة «القاعدة» من «تعز» نظرا للظروف المواتية لمثل هذه الخطوة، متهما قيادات المقاومة بالتقاعس تجاه ما يجري، وفي مقدمتهم المحافظ الذي نعته بالمحافظ “الفاشل”.

وفي هذا السياق، استطرد الشرعبي قائلا : “أغلب من نظنهم قادة لن يتجرؤوا على رفع أصواتهم وليس بنادقهم ،وقادة جيش يخافون الإقالة بطلب من كبير المافيا”. كما اتهم الشرعبي، حزب الإصلاح، بالاكتفاء بالدفاع الإعلامي تجاه الجرائم التي المرتكبة من خلال جيشه الإلكتروني الذي يتولى “الدفاع عن أي جريمة ترتكبها العصابات بحق المدنيين والعسكرين”.

 

حملة إعلامية

 

 

وتشن «جماعة الإخوان المسلمين» باليمن حملة إعلامية كبيرة لتشويه موقف دول « التحالف العربي» وبخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعمل الحلمة على استهدافها بشكل مباشر من خلال التشكيك بدورها في «التحالف العربي» الذي يقود حربا في اليمن منذ مارس 2015م، وجُندت من أجل الحملة عشرات المواقع الإخبارية التي تبث غالبها من تركيا و قطر.

ويجاهر عدد من قادة « تجمع الاصلاح» إخوان اليمن، بعلاقتهم العميقة بتنظيم القاعدة، وعدائهم الصريح للدور الإماراتي في معارك تحرير « تعز» عبر شن هجوم مواز لحملات الإخوان يبدي معارضتهم الشديدة لمشاركة دولة الإمارات في تحرير أي من مناطق بمحافظة « تعز» .

وفي هذا السياق، كتب قائد جبهة الأربعين القيادي الاصلاحي « القاعدي» « أسامة الكامل» على صفحته بـ «فيس بوك» مخاطبا الامارات : ” الأمارات تعز محرم عليك دخولها ، الدولة موجودة (دولة القاعدة) بتعز فلا داعي للمحاولة “..

ويعد «الكامل» من أبرز القيادات الميدانية الإخوانية في مقاومة «تعز» الذين يجاهرون بعدائهم الصريح لدولة الإمارات، حيث سبق أن توعد في منشور آخر جنود الامارات بـ «الذَّبـِح» في حال فكروا الدخول إلى «تعز» . إذ بات معروفا وواضحا تعاطف الرجل الذي يخفي انتمائه للجماعات الإرهابية، مع عناصر تنظيم «القاعدة» تجاه الهجمات التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على معاقلها في محافظات (البيضاء، أبين، شبوة) مؤخرا .

 

 

نقطة نظام

 

 

وتثبت مجريات الأحداث الواقعة بـ «تعز» صحة الخطوات و الإجراءات والاحترازات الأمنية التي قامت بها السلطة وقيادة الحزام الأمني بمحافظة عدن ، مؤخرا، تجاه العناصر القادمة من محافظة «تعز» التي جُوبهت بانتقادات واسعة من قبل وسائل الاعلام الشمالية، وتحديدا «الإصلاحية» منها تجاه تلك الاجراءات، التي اُتهمت على خلفيتها قيادة محافظة عدن و ودولة الامارات بالتهيئة لـ « الانفصال» بيد أن ما يحدث اليوم في «تعز» بعد التي تحوَّلت إلى معقل لـ «الإرهاب» يؤكد صحة التدابير الاحترازية التي اتخذت للحفاظ على الأمن والاستقرار بـ «عدن» سيما بعد الكشف عن العلاقة الوطيدة والتحالف القوي الذي يجمع «الإخوان» بـ القاعدة « تنظيم» الذي كان يسيطر على مدينة المكلا بمحافظة «حضرموت».

 

LEAVE A REPLY